- "مشاكل السكارى"
- تبادل الفوز والخسارة
في مشهد جديد من مشاهد الاشتباك بين العلمانيين والإسلاميين في تركيا، انقسم سكان أحد أحياء مدينة إستانبول في مواقفهم بحدة إزاء قرار صاحب مطعم أسماك فاخر التوقف عن بيع الخمور لزبائنه ليكون ثاني مطعم يتخذ مثل هذا القرار في أسبوع واحد.
فبعد 18 عاما من قيام مطعم "بايتاش بايكوز باليكتشسي" الذي طالما اشتهر بتقديم الخمور لزبائنه جنبا إلى جنب مع أطباق السمك الفاخرة، قرر المجلس البلدي لحي بايكوز -الذي يرأسه عضو بحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية- وقف هذه الخدمة بشكل مفاجئ، مبررا ذلك بأنه جاء استجابة لمذكرة رفعها للبلدية عدد من السكان.
وسبق قرار المطعم المعروف اختصارا باسم "بايكوز" بأيام مطعم آخر في ذات الحي الواقع على الشاطئ الآسيوي من مدينة إستانبول على مضيق البسفور، تابع أيضا للبلدية، حيث ألغى نهاية الشهر الماضي خدمة تقديم الكحول من قائمة معروضاته للزبائن، بحسب تحقيق نشرته صحيفة "حريت" التركية الجمعة 2-10-2009، دون أن تشير لاسم هذا المطعم.
وليس معروفا على وجه اليقين ما إن كان هذا القرار بإيحاء من حكومة حزب العدالة والتنمية أم لا، حيث إن الرئيس السابق للمجلس المحلي لبايكوز، محرم أرجول، أبقى طوال فترة خدمته على خدمة بيع الكحول في المطعم رغم أنه عضو بحزب العدالة والتنمية، ثم جاء الرئيس الحالي للمجلس يوجال تشاليكبيلاك، عضو أيضا بالحزب، واتخذ قرار المنع.
ونقلت الصحيفة عن أحد سكان بايكوز الرافضين للقرار، وهو موظف بنكي متقاعد لم يذكر اسمه، أن "تشاليكبيلاك كان يعتزم أن يتخذ هذا القرار حتى قبل انتخابه، كان يقول أنه سيضع حدا لشرب الكحول.. أظن أن توجهاته الدينية أملت عليه ذلك".
واحتشدت مجموعة من سكان بايكوز الرافضين لقرار رئيس المجلس المحلي أمام المطعم، هاتفين بعبارات تنم عن سخطهم على القرار، ومنهم أناس لم يدخلوا هذا المطعم من قبل "لأنه باهظ الثمن"، غير أن احتجاجهم من باب "الحفاظ على مبدأ الحريات الشخصية".
وتعليقا على انتقادات بعض وسائل الإعلام والأهالي قال نائب رئيس المجلس المحلي، يوكسال باكي، لصحيفة "ميليت" ذات التوجه العلماني: إن "أهالي بايكوز رفعوا لنا عريضة يطالبونا فيها بمنع بيع الكحول في المطعم".
غير أن صحيفة "حريت" العلمانية شككت في هذا المبرر عندما نقلت على لسان عدد من السكان الرافضين للقرار قولهم: "القول بأننا رفعنا عريضة تطالب بالمنع كذبة"، وإن أشارت أيضا إلى آخرين قالوا: "ربما قام فعلا بعض السكان بتقديم هذه العريضة".
وإضافة لمسألة "مبدأ الحريات الشخصية" أشار شريف كامبور أوغلو (محاسب) إلى سبب آخر من أسباب احتجاج بعض السكان على قرار المنع وهو أن "المجلس المحلي لم يعر انتباها للخسائر المادية التي ستلحق بالسكان جراء هذا القرار.. بالتأكيد صورة بايكوز السياحية ستتضرر كثيرا بعد أن يعرف من خارجها بأن مطاعمها السياحية الشهيرة خالية من الكحول".
ويتفق معه جوناري جيفا أوغلو (الكاتب بصحيفة ميليت) الذي قال في مقالة له يوم الخميس: "بايكوز معروفة تاريخيا بأنها مقصد عشاق الأكلات البحرية الذين اعتادوا على تناولها برفقة زجاجات الراكي (نوع من المشروبات الكحولية تشتهر بها تركيا).. من سيصدق أن سكان بايكوز أصحاب التاريخ العريق في إعداد وجبة السمك والراكي لا يريدون الآن شرب الكحول؟".
"مشاكل السكارى"
وعلى الطرف الآخر المؤيد للقرار تجيبه سونجول (ربة منزل) بقولها: "أعتقد أنه قرار جيد.. الناس كانوا يأتون إلى هنا ويعبَّون الخمر، ثم يتسببون في مشاكل عديدة عندما يخرجون من هذا المطعم سكارى".
وصديقتها توغبا تشامورجي (محجبة) التي كانت تهتف معها ضمن مجموعة احتشدت في حديقة للأطفال تأييدا للقرار قالت كذلك: "لا يوجد في بايكوز أماكن كثيرة يمكن للعائلات أن تزورها وهي آمنة على أطفالها.. الآن تحسنت سمعة المطعم.. وسيكون مقصدا لهذا الهدف".
وفي العام الماضي اتخذت شركة "بالتور" التابعة لبلدية إستانبول قرارا بمنع بيع الخمر في مطعم بحي مودا في منطقة كاديكوي، وهو ما أثار أيضا تأييدا واعتراضا من السكان، وكان المعترضون يحتشدون ويحتسون الخمر أمام كاميرات الصحافة والتلفزيون مساء كل جمعة خلال الصيف؛ لبيان احتجاجهم على القرار، ورغم طول هذه الاحتجاجات والوقفات لم تتراجع الشركة عن قرارها.
تبادل الفوز والخسارة
غير أنه في وقائع أخرى يكون الفوز في معركة "الحريات الشخصية المطلقة" من نصيب الطرف العلماني، فقبل أيام تراجع عمدة العاصمة أنقرة، مالي جوكتشاك، عن فكرة إجراء استطلاع للرأي بين سكان أحد أحياء المدينة بشأن استمرار أو منع بيع الخمور في المطاعم بعد أن قوبلت بردود فعل "مزلزلة" من الجانب العلماني بحسب وصف صحيفة زمان التركية في 28-9-2009.
وقبل ثلاثة أعوام تقريبا، حاولت بلديات محسوبة على العدالة في إستانبول، حصر بيع وشرب الكحول، لكنها محاولة باءت بالفشل بسبب ردة الفعل التي نفذها بعض العلمانيين المتشددين في المدينة.
وتعد معركة منع الخمور بين الجانب الحكومي المحسوب على حزب العدالة والجانب العلماني الذي تغذيه أحزاب المعارضة العلمانية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، حلقة في سلسلة معارك أخرى بين الجانبين، منها الجدل الذي يدور بشأن تشجيع بعض البلديات للنساء على ارتداء زي سباحة "شرعي"، ومنع الاختلاط على الشواطئ وفي المسابح، وانتشار ظاهرة المطاعم والفنادق الإسلامية، أي التي لا تقدم الخمور أو الأطعمة المحرمة. وكذلك ظهور المراقص (الديسكو) المخصص للنساء فقط.
وتستغل أحزاب المعارضة هذه الظواهر في تأكيد وجهة نظرها بأن حكومة حزب العدالة والتنمية تسعى إلى "أسلمة المجتمع التركي"، و"تقويض نظامه العلماني" القائم منذ 80 عاما، وهو ما تنفيه بشدة الحكومة التي تؤكد بدورها حرصها على عدم التدخل في حرية الأفراد، مبررة أي إجراء تقوم به هي أو البلديات التابعة لها بأنه يصب في اتجاه "الحفاظ على تقاليد المجتمع التركي المحافظة بطبيعتها، وتجنب المشاكل والجرائم الاجتماعية الناجمة عن التقاليد الدخيلة عليها".
وسبق أن وجه رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، "نصيحة" لمحتسي الخمر في وقت سابق قال فيها: "إن هذا السلوك مضر وغير حضاري".
وكانت الأقلية المسيحية هي التي تسيطر على إنتاج الخمور أيام الدولة العثمانية، أما في تركيا الحديثة فقد بدأت الدولة في إنتاجها عام 1942، وظلت كذلك حتى عام 2003
وسبق أن وجه رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، "نصيحة" لمحتسي الخمر في وقت سابق قال فيها: "إن هذا السلوك مضر وغير حضاري".
شكرا ابو السعود