- محاولة تعلم التركية
- زيارة جزر مرمرة
- زيارة يالُوَا وترمل
- الرحيل إلى بورصة
- وبتنا ليلتنا الثانية هناك، ثم عدنا إلى "يالوا" ومنها إلى إستانبول.
- محاضرة في إستانبول
- سعد سلامة.. جُدد بمعرفتي!
- رحلة في البحر الأسود
- العودة إلى بيروت ومنها إلى الدوحة
محاولة تعلم التركية
في هذه المدة بدأنا نتعلم شيئا من اللغة التركية، وقد أعطى لنا بعض الإخوة كتابا في تعلم التركية، استفدت منه كثيرا. والحقيقة أن اللغة التركية لغة سهلة جدا، ومما يزيد في سهولتها وجود كلمات عربية كثيرة بها؛ فهي مزيج من العربية والفارسية والطورانية القديمة، وإن كان العلمانيون منذ أتاتورك يحاولون أن يفرغوها من الألفاظ العربية، كما حرموا كتابتها بالحروف العربية، فقطعوا أجيال الأمة عن تراثهم كله، وعزلوها عزلا تاما، وكان هذا مقصودا لهم.
عرفت الأرقام؛ فحفظها سهل، وبعضها مستعمل في بلادنا. مثل كلمة "بير" أي واحد، "بيرنجي" أي الأول، وكنا نقول في المدرسة: فلان بيرنجي الفصل، أي الأول عليه.
وكلمة "أون" أي عشرة، و"يوز" أي مائة، و"بن" أي ألف. وفي الرتب العسكرية: نجد رتبة "أون باشي" أي رئيس عشرة، و"يوز باشي" أي رئيس مائة، و"بن باشي" أي رئيس ألف. وهو الذي كان يسمى أيضا: "بكباشي".
وهناك كلمات تركية منتشرة بيننا مثل "أوده" أي حجرة، ومثل "اختيار" أي كبير السن، ومثل: يا واش يا واش، بمعنى: على مهلك... إلخ.
ومن المفارقات اللغوية الطريفة أن الإخوة دلونا على مطعم في أقصراي يقدم أكلات طيبة، ولا يقدم خمرا؛ فكنا نؤثر أن نذهب إليه بين الحين والحين، وكنا نطلب منه بعد الطعام طبقا من البطيخ، فإذا هو يقدم لنا طبقا من الشمام، وتكرر ذلك عدة مرات، ثم اكتشفنا سبب هذا الخطأ، وهو أن الكتاب الذي نتعلم منه التركية كتب أمام كلمة "بطيخ": كلمة "قاوون" بالتركية، وكلمة "بطيخ" عند العراقيين، ومنهم مؤلف الكتاب معناها "الشمام"، أما ما يسمى عندنا "البطيخ" نحن المصريين، فاسمه عندهم: "الرقي".
والبلاد العربية تختلف في بعض الأشياء اختلافا شاسعا، تضلل من لم يحط بها علما، من ذلك ما يسمى به هذه الفاكهة؛ فالمصريون يسمونها البطيخ، وفي معظم بلاد الشام يسمى البطيخ الأخضر، والشمام: البطيخ الأصفر، وفي الحجاز يسمى "الحبحب"، وفي قطر ونجد يسمى "الجح"، وفي حلب وما حولها يسمى "الجبَس"، وفي العراق يسمونها "الرقي" (نسبة إلى مدينة الرقة)، وفي بلاد المغرب كلها يسمى "الدلاع".
المهم أننا عرفنا أن البطيخ (المصري) يسمى بالتركية "قربوز" فبدأنا بطلب "قربوز" إذا أردنا البطيخ، "وقاوون" إذا أردنا الشمام.
جولة في أسواق تركيا
والذي يزور تركيا لا بد له أن يزور أسواقها، وفيها أسواق كثيرة، من أشهرها "السوق المغطى" ويسمى "قبالي تشارشي"، وتشارشي: سوق، وقبالي: مغطى.
وهو سوق كبير حافل، ومنه تُشترَى التحف من النحاس، ومن الرخام، ومن غيرهما، كما تُشترَى منه أشياء أخرى كثيرة.
وهناك أسواق للمأكولات، وخصوصا الأجبان والحلويات وأنواع المَلْبن الذي يسميه إخواننا في الشام "راحة" أو "راحة الحلقوم".
وهناك أسواق الملبوسات، وقد تميز الأتراك بصناعة أنواع من الملبوسات وخصوصا للنساء، بعضها من الصوف، وبعضها من أنواع نسيت اسمها، تصلح في الربيع والخريف، بل في الصيف أيضا.
وكانت الأسعار رخيصة بالنسبة لغيرها من الأقطار الأخرى، ومنها قطر ولبنان.
وبالممارسة والخبرة والمعايشة عرفنا هذه الأسواق، وعرفنا كيف نصل إليها بأقدامنا، وعرفنا الأماكن والمحلات الأكثر رخصا من غيرها رغم جودة السلعة، وقد اشترينا كل ما نحتاج إليه لأنفسنا ولمن نحب أن نهدي إليه.
زيارة جزر مرمرة
واقترح علينا الأخ طه الجوادي أن نزور "الجزر" المشهورة في بحر مرمرة، وهي معالم لا بد لمن يزور إستانبول أن يزورها.
وهذه الجزر تزار بواسطة بواخر معينة، دلنا الإخوة عليها، وصحبنا بعضُهم، وكنا وأسرة الشيخ الجماز معا، وتبدأ الزيارة عادة بالجزر الصغيرة، ثم تنتهي بالجزيرة الكبرى، ويسمونها "بيوك أضا" وأضا: معناها جزيرة، وبيوك: معناها: أكبر، أو كبرى؛ فالمعنى: الجزيرة الكبرى، ومن خصائص هذه الجزيرة أنها لا تمشي فيها سيارة، بل يمنع دخول السيارات إليها ولكن ينتقل الناس بعربات الخيل التي نسميها في مصر "الحنطور". فمن أراد أن يطوف بالجزيرة، ويطلع على معالمها استأجر حنطورا، مر به في دورة معلومة، وعاد به إلى حيث بدأ، وهذا ما فعلناه.
ثم تناولنا الغداء هناك، وعدنا آخر النهار بحفظ الله تعالى.
زيارة يالُوَا وترمل
ومن المعالم المهمة التي يجب أن تزار منطقة "يَالُوا" وحمامات ترمل، ومدينة "بورصة" التاريخية. وقد جاء أحد الإخوة معنا ليوصلنا إلى هناك ثم نعود.
وركبنا الباخرة السريعة "إكسبريس" من مرساها في إستانبول لتذهب بنا إلى شاطئ يالوا، وقطعنا المسافة في ساعتين على ما أذكر، وهي رحلة بحرية جميلة في ذاتها، تستمتع فيها بالبحر ونسيمه، وحين ذهبت إلى يالوا لم نقم بها؛ فإن قصدنا هو منطقة ترمل بعدها بنحو بضعة عشر كيلومترا على ما أذكر أو أقل من ذلك.
واستأجرنا سيارتين: واحدة لأسرتي، وواحدة لأسرة الأخ الشيخ الجماز؛ لنصل إلى قرية بجوار حمامات ترمل، اسمها "جوكشدرا"، وفيها ستكون إقامتنا لمدة 10 أيام.
والواقع أننا وجدنا هذه القرية بسيطة وجميلة وممتعة، ووجدنا فيها بيتا ريفيا مناسبا، فيه شقق للإيجار، أخذنا شقة لنا، وشقة للأخ الشيخ علي.
وكان أهل البيت من الفلاحين الطيبين المتدينين، كنا نشتري منهم في الصباح اللبن الحليب الطازج بعد أن يحلبوه من البقرة، ونشتري الخضراوات والفواكه واللحوم من السوق، وهي في منتهى الجودة، ومنتهى الرخص. وأحيانا يمر باعة الفواكه والخضر أمام البيت، ونشتري منهم ما نريد.
وكان الخوخ -أو الدراق كما يسمه إخواننا في الشام، ويسمى بالتركية الشفتلي- من أجود الفواكه وأرخصها.
وكنا نذهب إلى الجزار ومعنا الخضار والبصل؛ ليعد لنا "براما" (إناء من الفخار) من اللحم، نذهب به إلى الفرن، لينضجه لنا على نار هادئة، على أن نتسلمه في ساعة محددة، وهي أكلة شهية جدا.
وكنا نذهب كل يوم في الصباح وفي المساء غالبا إلى منطقة ترمل، مشيا على أقدامنا؛ فهي قريبة جدا، ومن أراد دخول الحمامات -وهي معدنية- دخلها. ومن لم يرد جلس في الحديقة الفيحاء، يستمتع بهوائها وأزهارها المنسقة، وما فيها من أراجيح وألعاب للأطفال، وهي فسحة يومية مجانية رائعة.
وفي القرية مسجد نذهب إليه، ونؤدي فيه صلاة الجماعة، وأذكر هنا أن صلاة الجماعة في المساجد التركية جميعا في المدن والقرى لها مراسم تلتزم، ومصبوبة في قوالب لا يجوز لأحد أن يغير فيها شيئا؛ فبعد الأذان تصلي السنة القبْلية الراتبة: ركعتين أو أربعا، ثم تقام الصلاة، ويصلي الإمام، والناس خلفه صامتون لا يقرءون، سواء كانت صلاة جهرية أم سرية، كما هو رأي المذهب الحنفي، وهو مذهب الأتراك الملتَزَم، ثم بعد السلام يقول الإمام والمصلون: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقومون لأداء صلاة السنة البَعْدية، مؤخرين التسبيح والتحميد والتكبير لما بعد النافلة، كما هو رأي الحنفية، ثم يجلسون لختام الصلاة.
وفي كل مسجد عدد من المسابح يوزعونها على المصلين؛ ليعدوا عليها التسبيحات الثلاثة والثلاثين، وكذلك التحميدات والتكبيرات، ثم يختمون المائة ب"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير"، يقولها الإمام بصوت مسموع، والناس يرددونها معه، ثم يقول الإمام: "سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب"، ويدعو الله، ويدعو المصلون كل بما يحب، ثم يختم بقراءة عشر من القرآن الكريم. ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون، وهذا نظام صارم لا يجوز لأحد أن يخالفه، فيخرج بعد صلاة النافلة أو بعد ختم الصلاة، قبل قراءة القرآن، ناهيك بالخروج بعد صلاة الفريضة!
وأذكر أنه زارنا في هذه القرية الفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا الذي نزل في فندق القرية لعدة أيام، وقد سعدنا به في جلسة علمية نافعة، وكان مع أهله رحمه الله.
الرحيل إلى بورصة
ومن قرية "جوكشدرا" عزمنا الرحيل إلى مدينة بورصة بواسطة الحافلة "الباص"، وبعد أكثر من ساعة وصلنا المدينة العريقة التي كانت عاصمة العثمانيين قبل إستنابول، ويقال: إنها في موضع "عمورية" التي وقعت فيها الوقعة الشهيرة للخليفة "المعتصم" حين استغاثت به إحدى المسلمات لما لُطِمَت على خدها، فقالت: "وامعتصماه" في القصة الشهيرة المعروفة.
ووصلنا إلى المدينة، واستأجرنا فيها فندقا لمدة يومين على ما أذكر، وكان أهم ما في المدينة هو جبالها العالية الشاهقة التي يوصل إليها بطريق هذا الباص الهوائي المسمى "التلفريك" فذهبنا إلى محطة، وقطعنا التذاكر، وانتظرنا دورنا؛ فقد كان هناك زحام ملحوظ.
وركبنا التلفريك الذي ينقلنا إلى محطة، ثم يأخذنا تلفريك آخر إلى محطة أعلى، حتى نصل إلى الجبل المنشود، وفيه برودة ملحوظة، قد حسبنا حسابها، وتلفحنا ببعض الملابس المناسبة.
وفوق الجبل المنشود توجد محلات وأسواق، وباعة لكثير من الأشياء، وأهمها: اللحم المعد للشواء، وأدوات الشي، والفواكه المختلفة، ولا سيما البطيخ الذي يسمى عندهم "القربوز".
والأكل فوق الجبل له لذة خاصة؛ فأكلنا وشبعنا، وقلنا: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين، اللهم لك الحمد على ما أطعمت، ولك الحمد على ما سقيت.
ثم أخذنا "تليفريك" آخر، نطوف به أو يطوف بنا في أنحاء الجبل، ولا سيما في المناطق العليا منه، وبعد أن قضينا يوما كاملا نزلنا إلى الأرض بالتلفريك أيضا، وذهبنا إلى الفندق لنقضي به ليلتنا.
وفي اليوم التالي ذهبنا إلى "حمامات بورصة" المعدنية التي يأتي إليها كثير من الناس للاستشفاء، وما دمنا موجودين في المدينة فلنستفد منها.
وبعدها تجولنا في المدينة وما حولها، وخصوصا الجبال التي يُشترَى منها العسل الطبيعي، الذي قال الله تعالى عنه: "فيه شفاء للناس" .
وبتنا ليلتنا الثانية هناك، ثم عدنا إلى "يالوا" ومنها إلى إستانبول.
محاضرة في إستانبول
وبعد العودة إلى إستنابول أراد إخواننا الأتراك الشيخ أمين سراج وإخوانه أن ينظموا لي محاضرة عن "الزكاة" في مكان نسيت اسمه، حضرها عدد جيد من المشتغلين بالعلم والفكر الإسلامي، وأظن أن الذي كان يقوم بالترجمة هو الصديق د.علي أرسلان أيدن، على ما أذكر؛ فطول المدة ينسي.
وعقب المحاضرة وجهت إلي بعض الأسئلة أجبت عنها، وانصرف الجميع بعد ذلك بسلام.
سعد سلامة.. جُدد بمعرفتي!
وكان ممن سعدت به في هذه الصيفية الأخ الحبيب سعد زين العابدين سلامة، ابن طنطا، ورفيقنا في السجن الحربي، وأحد رواة "النونية"، وقد هاجر إلى ألمانيا وأقام فيها، وتزوج ألمانية اعتنقت الإسلام، وحكى لنا أنه ذهب بها إلى مصر لتزور أهله وتتعرف عليهم.
ومن اللطائف أن الأخ -وهو شاب ظريف- أراد أن يُضحِك أهله، فحفظ امرأته جملة تقولها إذا سألوها عن شيء، فترد عليهم قائلة: أنا حمار كبير! فما إن سألوها عن شيء، حتى قالت لهم: أنا حمار كبير، فانفجروا بالضحك، وسألتهم: لماذا يضحكون، فعرفوها معنى الكلمة، وأن سعدا ضحك عليها حين أفهمها أن لهذه الكلمة معنى آخر، وهو لا يقصد إلا المزاح، وإشاعة جو من الفكاهة والمرح.
وقد حكى لنا الأخ سعد عن الأيام الشداد التي مرت به، وخصوصا بعد أن انتهت صلاحية جوازه، وكان في حاجة إلى تجديده من السفارة، ولو ذهب إلى السفارة لأخذت منه الجواز، ولم ترده إليه؛ فكان سعد يكتب في صفحة التجديد في الجواز: "جُدد بمعرفتي"! ويوقع: سعد سلامة! وتنقل بهذا الجواز في أنحاء أوربا، وكل من رآه يعتقد أنه جُدد!
وفي يوم من الأيام جاءنا الأخ الصديق د.طه الجوادي بسيارته المرسيدس، قائلا: أريد أن أنقلكم إلى منتجع جميل في البر الآسيوي، اسمه "يكجك" وفيه بيت للأخ مصطفى بلجة، ليس فيه أحد، يمكن أن تقضوا فيه يومين.
وركبنا الباخرة التي تنقل السيارات إلى الشاطئ الآخر، ثم ذهبنا إلى يكجك، وتركنا الأخ طه، وبقينا فيها يومين أو ثلاثة، ثم عدنا إلى مقرنا إلى إستانبول.
رحلة في البحر الأسود
ومما اقترحه علينا الإخوة أن نذهب في رحلة في "البحر الأسود" تستغرق يوما كاملا؛ حيث تذهب السفينة إلى قرب الحدود، وننزل في المحطة الأخيرة؛ لنتغدى ونصلي، ثم نعود إلى الباخرة، لنبدأ رحلة العودة، وكانت رحلة بحرية مميزة، قضينا فيها يوما من أجمل الأيام وأمتعها.
الحق أن هذه الإجازة كانت إجازة ممتعة حقا، ومفيدة حقا، استمتعنا بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؛ فقد تعانق عنصر المنفعة وعنصر الجمال في كل مكان نذهب إليه؛ من حيث توافر الحاجات المادية التي تتطلبها المعيشة بأثمان زهيدة، وتوافر الجمال الطبيعي في كل مكان.
وأنا امرؤ أعشق الجمال في كل شيء، وخصوصا جمال الطبيعة الذي أراه بعين رأسي مجسدا في الجبال الخضراء، والمياه الزرقاء، والحدائق الغناء، والجوامع الشامخة، والقلاع الشاهقة، والمتاحف الناطقة؛ فتطربني هذه المشاهد كما يطرب المرء لسماع البلابل، وألحان العنادل، ولا غرو أن يطرب المؤمن للجمال يشاهده، أو يسمعه أو يحسه؛ فإن الله جميل يحب الجمال.
بل إن بعض الإخوة أغرانا أن نشتري لنا في إستانبول منزلا أو شقة في مكان مناسب، نقضي فيه إجازتنا كل صيف، وإذا لم يقدر لنا المجيء في سنة ما يمكن إجارة هذا البيت، وقالوا لنا: إن عددا من الدعاة والعلماء تملكوا هنا بيوتا، منهم الداعية الكبير الشيخ محمد محمود الصواف وغيره، ووعدناهم بأن ننظر في هذا العرض في ضوء ظروفنا وقدراتنا.
العودة إلى أضنة بالقطار
واقترح بعض الإخوة أن نعود إلى أضنة بواسطة القطار الذي ينقلنا إلى أضنة مرة واحدة، دون أن ننزل منه، ونأخذ غرفة في الدرجة الأولى ننام فيها بالليل، والقطار يأخذ حوالي عشرين ساعة.
وراق لنا هذا الاقتراح؛ لنكتشف هذه الوسيلة إلى جوار ما اكتشفنا من وسائل النقل الأخرى: الحافلات، والبواخر، وسيارات الأجرة الصغيرة "التاكسي".
وفي الوقت المحدد حملنا حقائبنا، أو قل: حملها إخواننا جزاهم الله خيرا، وذهبنا إلى محطة القطار، أسرتنا وأسرة الأخ الجماز، وقد وقف عدد من الإخوة يودعوننا، كما ودعناهم، وأعيننا تذرف؛ فقد توثقت روابط الأخوة في الله بيننا وبين هؤلاء الأحبة الذين بذلوا من أنفسهم ومن أوقاتهم، ومن راحتهم، وربما أموالهم من أجل معاونتنا على حسن الإقامة، وأن نحيا في جوارهم حياة طيبة، جزاهم الله عنا خير ما يجزي المؤمنين الصادقين المخلصين.
وقد وصلنا إلى أضنة بعد رحلة شعرنا بمشقتها، وقد أثر دخان القطار على ملابسنا وعلى أجسامنا؛ ولذا أسرعنا بالذهاب إلى الفندق لنبيت فيه، ونزيل عنا عناء السفر، وآثار هذه الرحلة، فاغتسلنا وبدلنا ثيابنا، وبتنا ليلة في أضنة، نستقل بعدها الطائرة إلى بيروت.
العودة إلى بيروت ومنها إلى الدوحة
عدنا بالطائرة من أضنة إلى بيروت، وانطلقنا من المطار إلى سوق الغرب لننزل في "فندق فاروق" الذي نزلنا فيه قبل أن نذهب إلى تركيا، فأقمنا فيه حوالي أسبوع، حتى يأتي موعد سفرنا إلى قطر.
وفي هذا الأسبوع فرصة للقاء إخواننا من الدعاة في لبنان، وأن ألقى الناشرين الإسلاميين الذين أتعامل معهم، ابتداء من المكتب الإسلامي، ودار الإرشاد التي نشرت لي: الإيمان والحياة، والطبعة الثانية من كتابي "العبادة في الإسلام" وهي طبعة موسعة بحيث أصبح الكتاب ضعف ما كان في الطبعة الأولى.
وقد اتفقت مع "مؤسسة الرسالة" على نشر سلسلة "حتمية الحل الإسلامي"، وهي سلسلة خطرت لي منذ صدر "الميثاق" في مصر، وفيه تركيز على ما سماه "حتمية الحل الاشتراكي".
فأردت إصدار هذه السلسلة، مستخدما نفس ألفاظها، مبينا أن الحل الحتمي، والحل المنطقي، والحل الطبيعي، والحل الشرعي الذي يتحتم الرجوع إليه شرعا ووضعا هو "الحل الإسلامي".
ودعاني الإخوة في بيروت لإلقاء بعض المحاضرات التي دعت إليها "الجماعة الإسلامية" في لبنان.
وما هي إلا أيام حتى حان موعد العودة إلى الدوحة، وفي الموعد استقللنا طائرة الشرق الأوسط، وكانت هي الطائرة الوحيدة التي تنقلنا إلى قطر، وعدنا بحمد الله تعالى إلى الدوحة، لنبدأ شوطا جديدا لسنة دراسية جديدة، نسأل الله سبحانه أن تكون خيرا من سابقتها.