mallm
25-09-2022 - 07:28 am
.
.
.
الساعةُ الخامسة عصراً بتوقيط الدار البيضاء
مطار السيد: محمد الخامس
فوج من هولندا آتٍ الساعة ، وآخرُ من روما ، ونحن ..
الازدحامُ يربك الحركة قليلا ، لكن ما ستجده أمامك
أو ما تتوقع أن تجده سيخفف عناء انتظارك قليلا
كل السحنات التي هنا ..
لا تشبهك ، ..
ولا تمت لك بصلة ، سواكَ في مرآةِ دورة المياه !
طاكسي .. طاكسي
عفواً لا أريد .. هنا من ينتظرني
تمتد صورة مدام نانسي عجرم
كسور كبير تحمل علبة كاكو ، وتبسمُ للبائسين هنا في الساحة
صبي صغير ، ينازعك الحقيبة
يناشدك أن يحملها عنك ، ويبسم لك أيضا ، ..
يصل صديقك ، وتمضيان بعد أن تمنح الصبي الدراهم/القوت/المأوى !
الأوربيون هنا كامنون في كل شبر
هذا هو شهر أوغستس
يملؤون حتى الفراغ
بالأمس كانوا مستعمرين
واليوم سائحين
وبالغد .. لا أدري !
مراكش .. المدينة الصاخبة
ومضات من سحر ، وجمال ، وعتاقة معرقة في القدم
تتأمل هذه الساحة
تتمدد عيناك في أرجائها ، وتبسم
ما يغتال بسمتك هو هذه الأفواج الذي تنصبُّ من كل حدب
هنا السحر ، والشعوذة ، والبرتقال ، والقواقع ، والبخور
هنا الحناء ترسمه الفتيات على سوق الفرنسيات البضة
والأوشام ، والعطور القديمة
والمنارة العتيقة ، القديمة ، الوحيدة
ودار الإمارة كذلك
لا أتذكر شيئا كثيرا من مراكش
ما فيها من الجنون والصخب والصراخ ينسيك كل شيء
حتى باقي النقود
التي منحتها لصاحب العقرب الذي يرقصها على أنغامه
ارحل .. وتنبه جيدا أن لا تنس نفسك في هذا الضجيج !
فندق لليلة واحدة فقط
تكفي هنا ليلة ، لتكتشف أن بالدنيا أنسا وجنا على أرصفة متقابلين !
تمضي تجوب المدينة
يسألك الطاكسي أين تريد؟
تجيبه: أي مكان يوجد فيه أناس
يولجك الشاطيء ..
فتتأكد تماما أن هذه المدينة تنقصها كمية كبيرة من الملابس ، والسواتر !
تفر نحو مركز المدينة
ترى المقاهي (البريئة) ، تلجها لتكتشف أن هنا سحنات تشبهك جيدا
لكنها في شغل عنك ..
تطلبه عصيرا ، يسألك من أي نوع ؟!
يوجف قلبك ، وترى الذي أمامك ، وتتمتم:
آه العقل ، يكفي القليل منه ، ..
(أغادير) .. مدينة لا تعرفك ، ولذلك فهي لا ترحب بك جيدا
ترحل ، وتترك خلفك حسرة كبيرة ، كبر حجم رأس المواطن الأحمق الذي التقاك
وناشدك الله والرحم والوطن والجنسية من أجل أن تمنحه ثمن تذكرة العودة
بعد أن (سرقته الشريفة) التي ظنها تريد منه نصحا و موعظة
وتتذكر كيف كانت عيناه تزوغان وهو يحدثك
وتقسمان أن كل ما قاله كاذب فيه !
ربما رحلت فرنسا
نعم ربما رحلت ، لكنه يزعم أنها لا زالت جاثمة هنا
رغم أنف ريك بلين ..
قابعة تحت الركام ، وفي سدة الحكم
وفي مناهج الدراسة ، وفي لثغات اللسان الذي يرطن بالعربية/الفرنسية
حتى أسماء المحلات ، والمطاعم ، تطاردك فرنسا في نيوناتها
تلعن ساركوزي ، ثم تتذكر أنه لا ذنب (بتسكين النون) له
وتلعن الأذناب الذين هنا .. وتمضي مكتفيا باللعن !
تعرج على مسجد الحسن الثاني
ويمتد أماك ناظريك ، شامخا مهولا
وتتراءى لك منارته من أقصى المدينة تلوح
فتحنُّ إليه ..
ويعلو أذان المغرب المغربي مجلجلا
والشمس تغتسل من جنابة النهار في حمأة المحيط ..
تأخذ مكانك في الصف الأول/الأخير
يسلم الإمام ، يدعو جيدا للسلطان ، حفيد النبوة ، وسليل المجد !
تتلفت ، تنظر ، وتعد الصفوف ..
يتراءى لك آخر المسجد كأوله قاعاً صفصفا ، إلا منكَ والصف الذين صليت معهم
تخرج من المسجد ، وأنت تحمد الله أنك ساهمت في زيادة عدد مصليه ..
ولو أمام السائحة الغربية التي التقطت لك صورةً وأنت تغادر المسجد
علّها تعود فتقول: إنهم يصلون !
تجوسُ فاس ..
تبحث عن الجوامع والجامعات
وعن النوادي الباهرات
وعن الأسوار العتيقة الواقفة بوجه الطغيان
تجلس في شرفة مقهى يطل على المدينة
تحتسي (الأتاي) ، ومعه التاريخ !
وتمضي وأنت تحس بالعتاقة في كل شيء هنا
حتى في الشرفة آنفةِ الذكر
محطة (المسافرون)
القطار الذي لا يعرف الانتظار
الناس والحقائب ، ورائحة التبغ
والمسافرون ، والمودعون
والأيدي الملوحة
تركب القطار عجلا
تأخذ مقصور فارغة ، تحتلها بأكملها
يباغتك أحدهم هل آتي معك ؟
أمسكْ حقيبتي وسآتيك ، وتمسك حقيبته
يفجأك بأمه وأختيه
تحاول التملص ، أو الهروب
لا تدري أيهما الولد وأيهما الفتاة ..
كلهم يلبس نفس اللباس
ويمتص نفس التبغ
ويقهقه بنفس المستوى من الرنين الصوتي
تهرب وتدع لهم المقصورة ، والمقطورة !
ايفران
العيون ، و(العيون) ، والجنان !
تتملى بعنيك كثيرا
وبقلبك أكثر
.
.
وتعتزم العودة
ما ينقص المغرب ، شمسٌ مشرقة
تعيدُ له صحوة المجد ، ومجد الصحوة
ليمضي مشرقا دائما وأبدا
سلامٌ كازا .. إلى حين يبعثون !
الفياض
شكرا شكرا
موضوع ادبي جميل جدا