- زوجات وأبناء يدفعون ثمن زواج السعوديين في المغرب بلا تصريح
- الرباط: عاصم الغامدي
قصص مؤلمة ترويها زوجات ينتظرن حلولا من السفارة السعودية
زوجات وأبناء يدفعون ثمن زواج السعوديين في المغرب بلا تصريح
الرباط: عاصم الغامدي
ما إن تدخل إلى مقر السفارة السعودية في المغرب حتى تطالعك وجوه سيدات وفتيات من مختلف الأعمار تجمعهن مأساة واحدة هي هجر الأب أو الزوج بعد أن تورط بالزواج والإنجاب في ظروف غامضة، ووراء هذه الوجوه قصص كثيرة ومآس أكثر تحكي عمن تنكر لزوجته وأبنائه وطلب منهم عدم الاتصال به، ومن غادرهم فجأة ولم يترك عنوانا أو رقم هاتف، ومن ينسى أن ابنته المراهقة قد تتعرض لما كان يمارسه في شبابه مع بنات الآخرين، ولولا أن قيض الله لهؤلاء الفتيات والنسوة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد ليخصصا لهن مرتبا شهريا لما عرفت هؤلاء المتضررات كيف يواجهين الحياة.
أول من تحدثت ل "الوطن" فتاة شابة زادها ارتداء الحجاب براءة على براءتها، تحمل في يدها جواز سفر سعوديا فيما كلامها ولهجتها وكل ما فيها يشير إلى أنها مغربية، ومع أن السفير السعودي في المغرب رفض إجراء أي لقاءات مع هذه الحالات أو تصويرها واعتبر أي لقاء صحفي قد يؤدي إلى الإضرار بها والتشهير بأسرتها، إلا أننا استمعنا إلى تلك الفتاة وهي تحكي قصتها دون التقاط أي صور لها أو حتى الإشارة إلى اسمها. قالت الفتاه " أنا سعودية أبلغ من العمر 21 عاما، وإلى الآن لم أشاهد السعودية ولا أعرف أي أقارب سعوديين لي أما أب فلم أشاهده منذ قرابة 13 عاما، ولا أعلم سبب انقطاعه عنا أو حتى سبب طلاقه والدتي، ولي شقيقة تبلغ من العمر 18 عاما ما زالت تدرس في المرحلة الثانوية فيما أنا أنهيت دراستي الثانوية هنا في المغرب في إحدى المدارس المغربية، والتحقت الآن بالجامعة وأدرس الحقوق لأصبح محامية".
وعما تتذكره عن والدها تقول: "كل ما أتذكره أنه اتصل بنا في الصيف الماضي وطلب منا مهددا ألا نتصل به دون أن أعرف سببا لذلك، فإذا كان على خلاف مع والدتي فأنا ابنته وليس لي أي ذنب في ذلك، كما أنه لم يصرف علينا منذ ولادتنا بل إن والدتي وأخوالي هم من تولوا تربيتنا ورعايتنا والصرف علينا إلى أن كبرنا، حتى إن والدتي لم تزر السعودية إطلاقا، بل كان والدي هو الذي يحضر من وقت لآخر لزيارتها هنا في المغرب، كما أن جدتي لوالدي وعمتي كانتا على اتصال وكانتا تمثلان همزة الاتصال بيننا وبين وطننا السعودية، لكنهما لم تستطيعا التأثير على والدنا كي يتكفل بنا أو يربينا في كنفه، وقبل قرابة سنتين توفيت جدتي، فانقطعت علاقتنا بالوطن، إلى أن زارنا عمي قبل فترة، وهو الآن على اتصال بنا لكن علاقته بوالدي مقطوعة مما يعني استحالة تأثيره عليه".
وعن هويتها تقول: "حصلت على أول جواز سفر سعودي العام الماضي بعد أن اقتضت الأنظمة المغربية أن أصحح وضعي، وأحصل على إقامة أو جنسية مغربية، حيث إن هذه الأنظمة سمحت لأبناء المرأة المغربية بالحصول على الجنسية، لكني متمسكة بهويتي وجنسيتي السعودية لذلك اضطررت إلى استخراج جواز سفر، ومن ثم عمل الإقامة النظامية لألتحق بالدراسة الجامعية ولا أعلم الآن كيف سيكون المستقبل؟ هل سأعيش هنا في المغرب؟، أم سأعود إلى وطني السعودية الذي لا أعرفه إلا من خلال الصور، أو ما أشاهده على شاشات التلفزيون؟، وقد أوكلت أمري إلى الله بعد أن قامت السفارة باعتماد صرف مرتب لي ولشقيقتي منذ قرابة سنة و3 أشهر بعد أن تقدمنا بطلب الحصول على الهوية السعودية".
أم تركي حالة أخرى ما إن شاهدتنا وعلمت بأننا من السعودية حتى انهارت باكية وهي تحاول أن تحكي لنا قصتها ، تقول: "تزوجته منذ قرابة 21 عاما عشت معه 15 عاما منها بين السعودية والمغرب، حتى إنني حصلت على الجنسية السعودية، وأنجبت منه ابنين وبنتا، ويبلغ عمر ابني الأكبر 20 عاما، وقد تخرج من المدرسة السعودية في الرباط ، وهو يدرس الآن بالجامعة الأمريكية بالمغرب على حساب المنحة التي أمر لنا بها الملك عبد الله بن عبد العزيز أطال الله عمره، وإن شاء الله يستطيع أن ينضم إلى بعثة من البعثات التي تمنحها وزارة التعليم العالي للسعوديين، ولولا المعاش الذي نحصل عليه من السفارة السعودية لتسولنا اللقمة، إذ إن زوجي معسر وليس لديه أي نقود.
وعن ظروف انفصالها عن زوجها تقول: " بعد أن أصبح زوجي معسرا بدأت في ممارسة العمل التجاري البسيط، حيث كنت أعمل على جلب بعض البضائع وبيعها بين السعودية والمغرب، لكنني كنت في كل مرة أواجه مشكلة خروجي ودخولي، حيث كان يرفض في الكثير من الأحيان السماح لي بالسفر، الأمر الذي دعاني إلى طلب الطلاق، وقد غادرت السعودية منذ قرابة 8 سنوات وأنا الآن مستقرة في المغرب، وفي آخر زيارة لي للسعودية طلب مني ألا أعود، حتى إنني طلبت منه 50 ريالا في المطار كي أشتري عباءة أستر نفسي بها، لكنه لم يكن يملك حتى هذا المبلغ، ففضلت الطلاق، والآن أريد الحصول على صك الطلاق الخاص بي، حتى أستطيع أن أتحرك بحريتي في الدخول والخروج من وإلى السعودية مع أبنائي، إذ إن ابني الكبير وعقب التخرج يرغب في العودة إلى السعودية كي يعمل هناك في بلده، أما ابني الأصغر فإنه لاعب كرة، ويتمنى أن يحترف في أحد الأندية السعودية، لكن ظروفنا الحالية لا تسمح لنا بذلك، وأنا لا أنكر أن زوجي عندما كان لديه نقود لم يكن يبخل علينا بأي شيء، لكنها الظروف التي أجبرته على أن يوافق على طلاقي ، كما أنه طلق زوجته السعودية أيضا لضيق ذات اليد حتى عندما طالبته بنفقة قال لي: من أين فأنا لا أملك قوت يومي.
أما قصة تلك الفتاة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر فتتضمن مأساة نتيجة انفصال والدها عن والدتها المغربية التي تزوجت فورا من شخص آخر وسافرت معه إلى هولندا تاركة البنت لوالدها الذي قام بالزواج من شقيقتها، على اعتبار أن تقوم السفارة بمنح الجنسية السعودية لهؤلاء الأبناء بمجرد أن تتقدم الأم بطلب ذلك وإبراز صك الزواج ولا تستطيع رعاية فتاة في هذه السن الصعبة، حتى إن مدير المدرسة السعودية في الرباط اتصل بالأب عدة مرات، لكنه كان يتهرب من الرد عليه، وفي آخر مكالمة تناول سماعة الهاتف ابنه الأكبر أخو الفتاة من والدها ونعت مدير المدرسة "بالملقوف" لتدخله في المشاكل العائلية الخاصة، فرد عليه المدير أن غيرته على أبناء وبنات وطنه هي دافعه للاتصال وسيحتمل كل ما يقال لمساعدة هذه الفتاة المسكينة.
وتحكي سيدة أخرى وهي تنتحب أنها تزوجت بسعودي منذ قرابة 3 سنوات، ثم ذهب إلى السعودية على أمل أن يعود قريبا ، لكنه لم يعد ، تقول " إنني لا أعرف إن كنت مطلقة أم متزوجة، ولا أعلم إن كان على قيد الحياة أم توفاه الله، وقد حضرت إلى مقر السفارة لأتقصى أخباره وأعرف مصيري".
ويعلق السفير السعودي في المغرب الدكتور محمد البشر على هذه المشاكل وغيرها التي يتسبب بها مواطنون سعوديون بعيدون عن الإحساس بالمسؤولية، وتتعامل معها السفارة السعودية بصدر رحب قائلا: "أبرز المشاكل التي تردنا إلى السفارة تتعلق بشبان سعوديين تورطوا في الزواج دون علم أسرهم، ودون الحصول على تصريح بذلك، وبالتالي تورطوا في إنجاب أبناء أيضا، لذلك نقوم في السفارة بمنح الجنسية السعودية لهؤلاء الأبناء بمجرد أن تتقدم الأم بطلب ذلك وإبراز صك الزواج، لكننا نواجه مشاكل مع بعض الآباء الذين لا يتجاوبون معنا حين يتقدم أحد للزواج من إحدى الفتيات من أب سعودي، ولا نستطيع إتمام الزواج دون موافقة الوالد الذي هو ولي أمرها شرعا، حيث يتهرب الكثير منهم من إعطاء الموافقة.
وأشار الدكتور البشر إلى أنه لا مسؤولية تقع على من يتم اكتشاف أنهم متزوجون ولديهم أبناء دون تصريح رسمي، وأضاف" " على هؤلاء مخافة الله في فلذات أكبادهم، وأن يعلموا أن الزواج والإنجاب التزام ومسؤولية تجاه الزوجة والأبناء، وليس مجرد قضاء وطر، ونحن هنا في السفارة نشعر بالألم والمرارة تجاه أبنائنا وبناتنا جراء ما اقترفه الآباء من أخطاء بحقهم وهي أخطاء كان يمكن تلافيها، وأنا شخصيا أحاول الاتصال بهؤلاء الآباء لإنهاء مشاكل أبنائهم وبناتهم".
وأوضح السفير السعودي بالمغرب أن الحل بالنسبة للفتاة التي تدرس الحقوق وشقيقتها يجب أن يتم من خلال المحاكم السعودية، حيث يمكن لهما إقامة دعوى قضائية على الأب لعزله من الولاية لتتمكنا من الزواج وممارسة حياتهما بشكل طبيعي، سواء هنا في المغرب أم في السعودية، إذ إنهما تواجهان مشاكل مع السلطات المغربية في موضوع الإقامة والتعليم .
وأضاف السفير البشر: " لولا أن قيض الله لهذه الأسر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده لعلم الله وحده مصيرهم، إذ إن هذه المساعدات والمخصصات الشهرية التي نقوم بصرفها لهم هي تبرعات شخصية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز منذ أن كان وليا للعهد ومن سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز منذ أن كان نائبا ثانيا، وهي مستمرة إلى الآن، ولولا هذه المكرمة لما استطعنا أن نصرف لهم أي إعانات أو مساعدات شهرية تساعدهم على شق طريقهم ومستقبلهم في الحياة".
الله يهدي الجميع