- ذاك اليوم اللي حصلت فيه فرنسا على كأس أوروبا 2000 ..
- كنت هناك بالصدفة لأني مالي في الكورة ولا أي نوع من الرياضات .
ذاك اليوم اللي حصلت فيه فرنسا على كأس أوروبا 2000 ..
كنت هناك بالصدفة لأني مالي في الكورة ولا أي نوع من الرياضات .
سكنت أنا وأخي في أقذر حي في باريس اسمه " بيقال " Pigalle . والسبب هو توفر سكن رخيص ، حيث حصلنا على سكن لا بأس به بمبلغ يعادل مئة ريال فقط لليلة الواحدة في غرفة مزدوجة تحتوي على سريرين وحمام خاص وتلفزيون ولا يوجد بها ثلاجة ، والفندق المتواضع بطبيعة الحال لا يوجد به ( لوبي) . فقط مجرد مكتب كحيان للاستقبال .
يوم المباراة النهائية عرفت أن فرنسا ستلعب على النهائي ، وانبسطت وتمنيت تفوز فرنسا ؛ لأني سأشاهد الهيصة والاحتفالات في شارع الشانزليزيه .
جهزت كاميرا الفيديو جي في سي ، التي استعرتها من صديقي في الرياض لأصور بها المشاهد المنتظرة .
تحت هذا الفندق الفخم يوجد العديد من البارات والمقاهي التي تعرض بشاشات عملاقة مباراة اليوم والجميع مترقب ومتلهف لها ، وأنا معهم .
ذهبت إلى محطة الميترو المقابلة للفندق لأشتري بطاقة واحتفظ بها لحين انتهاء المباراة والانطلاق بعدها مباشرة إلى الشانزليزيه تحسباً للإزدحام المتوقع في حال فوز فرنسا .
وكما تمنيت ، فازت فرنسا بنتيجة لا أتذكرها - المهم فازت - ، وانطلقت مباشرة إلى محطة بيقال لينطلق القطار إلى محطة تشارل ديغول حيث يقع قوس النصر وبداية الشارع الشهير .
يدأت تتوافد الحشود والجماهير الغفيرة لتحتفل بفوز منتخب بلادها ببطولة أمم أوروبا ، وفي خلال دقائق معدودة غصّ الشارع عن آخره بكافة طوائف الشعب وطبقاته وأنا بينهم أحمل الكاميرا ال جي في سي التي استعرتها من صديقي في الرياض :tongue: ، وأصور .
التقطت مشاهد تاريخية وأنا أفكر في صديقي صاحب الكاميرا حين يشاهد ما التقطته كاميرته الجي في سي .. كم سينبهر بهذه المشاهد العجيبة التي لم ير مثلها في حياته . فصديقي شخص قروي جداً سامحه الله .
وأنا مستمر في التقاط ما تقع عليه عيني من خلال العدسة ( أضواء ليزر ملونة تضرب في قوس النصر تكتب كلمات احتفالية ، صبيان يرقصون ويتعرون في الشارع ، أعلام تلوح في السماء ، أهازيج وصخب يصمّ الآذان .. الخ ) ، أحسست بحركة غير اعتيادية لحزام الكاميرا الملتف على يدي ، ينسلّ من بين يدي وعيني اليمنى ما زالت ترقب الحشود من خلال العدسة ، والعين اليسرى مغمضة .
ظننت في البداية أن حزام الكاميرا علق في ثياب أحد المحتفلين وحاولت جرّه ، ولكن كانت هناك مقاومة متعمدة لسحب الحزام ..
عندها .. اكتشفت اليقين .
محاولة سلب بالقوة أتعرض لها في شارع الشانزليزيه .
استطلعت الأمر بعيني الاثنتين ولم أشاهد اليد التي كانت تسحب الحزام ، فقد اختفت وسط الزحام وما زالت مستمرة بسحبه بقوة .
وأنا أسحب وهو يسحب ، وأنا أسحب بقوة وهو يسحب أقوى ..
وفجأة ..
أظلمت الدنيا في وجهي بقوة ( بوكس ) عنيف جداً ضرب خدي الأيمن !.
سقطت على الأرض كالجربوع الجريح وأنا أتلوى من فرط الألم والدهشة والرعب .. واختفت الكاميرا الجي في سي التي استعرتها من صديقي الطيب في الرياض .
قمت من سقطتي بسرعة وتلاشي لي مشهد عجيب !.
أنا لحالي في الشانزليزيه .!
بدون مبالغة .. انفتحت دائرة كبيرة بسرعة غريبة حولي ، دائرة رسمها البشر المتواجدين في هذه الساعة ، متجمهرين ينظرون إلى هذا الجربوع النازف الخدّ .
حاولت استيعاب الموقف بسرعة وأنا لا أصدق أنني تعرضت لسرقة بالإكراه ، وهؤلاء الجبناء حولي يبحلقون فيّ بتعاطف بسيط وفضول أكبر .
امرأة مسنة تقدمت لي بمنديل لأمسح جرحي النازف ، شكرتها ، وسألتها بالإنكليزية : وين البوليس ؟
أشارت إلى جهة الرصيف ، حيث يتواجد حفنة من رجال البوليس الأغبياء .
انطلقت إلى أول شرطي قابلني وأشرت لجرحي النازف وقلت له : تعرضت لعملية سرقة بالإكراه .. تصرف .
لم يفهم ما قلت ؛ فهو لا يتحدث بغير الفرنسية .
اتجهت إلى شرطي آخر وسألته أين أقرب مخفر للشرطة ؟ ، فهمت منه أنه شرطي جاء من خارج باريس هذه الليلة ، ولا يعرف أين تقع مخافر الشرطة في مدينة الرعب .
أركض وأركض وأنا حزين وغاضب .. مكسور الوجدان .
لاحظت أخيراً سيارات شرطة وعرفت أنهم بجوار المخفر ، قريب من فندق جورج الخامس .ودخلت بسرعة من خلال حاجز بؤدي للمدخل ، واستوقفني شرطي وشرحت له الموضوع بسرعة ، وقال لي : وين هويتك ؟
طبعاً جوازي في الفندق ولم أحمله معي ، ولكنه أصرّ على الهوية مما اضطرني للعودة بسرعة إلى الفندق الذي استغرق أكثر من ساعة نظراً للازدحام غير العادي هذه الليلة .
حصلت على الجواز ، وعدت إلى المخفر ودخلت ، واستقبلتني شرطية وشرحت لها الموضوع ، وقالت : راجعنا بكرة الصبح !.
محاولات الشرح والإفهام لم تجدي معها لتحرير محضر فوري والتحقيق في هذه السرقة الشريرة ، واستعادة الكاميرا الجي في سي التي استعرتها من صديقي في الرياض !.
الشكوى لله ..
درجت عائداً إلى الفندق وتركت المحتفلين واللصوص خلفي .. وأنا حزين .
ذهبت في اليوم التالي إلى المخفر مرة ثالثة ، واستقبلوني ببرود متناهٍ وحرروا محضر من عشر نسخ ، وأعطوني نسخة .
سألت عن الكاميرا ، وهل ستعيدونها لي أو سأحصل على تعويض ؟ ، قالوا : لا ، ما نقدر نجيبها .. الله يعوضك ولا يبلانا .
اتصلت بصديقي وأخبرته بما حصل ، ووعدته بتعويضه عن كاميرته بكاميرا أخرى جي في سي أيضاً ، ولكنه - بشهامة عربية أصيلة - استنكر عرضي وقال : تفداك الكاميرا .. عيب عليك!.
كانت هذه آخر مرة أسافر فيها إلى أوروبا الباردة ، بذكرى بائسة غاضبة وناقمة على الأوروبيين الماديين الأنانيين .
بس مأثر عليك طول هالسنين داخلياً..؟؟
المفروض ماتتوسط الزحام والتجمهر المخيف لأنك خارج بلدك ببلدنا اذا فاز المنتخب نقول يالله سترك فكيف بأوروبا ..
اتمنى الكل يستفيدون من تجربتك المؤلمه ..
وأتمنى لك رحلات مقبله تنسيك الماضي الأليم