مدخل الخانقاه
قبر الشيخ العلمي
مأذنة الخانقاهdata_travel/data/500/ADEL.JPGيشعر فلسطينيون في حارة النصارى بالبلدة القديمة بالقدس، بالتفرد لوجود مقر القائد الشهير صلاح الدين الأيوبي، والمعروف بالخانقاة الصلاحية في حيهم.
وكلمة الخانقاة فارسية تعني المكان الخاص بالصوفية، ويجاور مقر الخانقاة كنيسة القيامة، ويصل إليها بطريق يتميز بهدوء نسبي يطلق عليها (شارع الخانقاة).
وعلى الجدران القريبة من الخانقاة ما زالت صور مرشحين مسيحيين للانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في شهر كانون الثاني (يناير الماضي) معلقة كثير منها يحمل شعارات عن الإخاء الإسلامي-المسيحي في فلسطين.
واغلب الذين يقطنون حول الخانقاة هم من المسيحيين، أما مبنى الخانقاة فتسكن فيه عائلة إسلامية تتولى الإشراف عليه.
وترتبط الخانقاة بشكل كبير بفترة من التاريخ كثيرا ما تستعاد لدى العرب والمسلمين والغرب، حيث انتج في العام الماضي فيلما بعنوان (مملكة السماء) لرود سكوت حظي بكثير من الاهتمام والنقد.
واكثر المحطات بروزا في ذلك التاريخ معركة حطين الحاسمة في شمال فلسطين التي وقعت يوم 4 تموز (يوليو) 1187، والتي انتصر فيها صلاح الدين على جيوش الصليبيين، ولكن وصوله إلى القدس لم يكن سهلا، فخاض معاركا أخرى في مدن تقع ضمن حدود دولة لبنان الان، حتى وصل إلى القدس بعد نحو ثلاثة اشهر منتصرا وكان ذلك يوم 2 تشرين الأول (نوفمبر) 1187.
وفي القدس كانت تنتظر صلاح الدين مهاما جسام، فأعاد على ارض الواقع رسم خريطة المدينة، وغير من معالمها لتعود كما كانت، ومن بينها إعادة المسجد الأقصى وقبة الصخرة كما كانا مسجدين.
واتخذ من مبنى الخانقاة مقرا لقيادته العسكرية، ومنها اعد ونفذ طوبغرافية القدس الموجودة حتى الان، وفتح المدارس، والمشافي، ومراكز الدراسات لمختلف المذاهب الإسلامية.
وشارك صلاح الدين، وفقا لروايات المؤرخين من معاصريه بنفسه في أعمال البناء والتشييد ونقل الحجارة والحفر وغير ذلك.
وكان يطلق على مبنى الخانقاة دار البطرك، وهي تابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، كان الصليبيون انتزعوها من هذه الطائفة، كما حدث مع عقارات ودور عبادة أخرى، ومع استعادة صلاح الدين للقدس استعاد هذه الأملاك وأعادها للروم الأرثوذكس، الذين وافقوا على تخصيص جزءا من المكان لصلاح الدين اتخذه مقرا له.
وبعد عامين، أي في عام 1189م أوقف صلاح الدين المكان للصوفية، وتوجد في المحكمة الشرعية بالقدس نص الوقفية التي تشير إلى أن صلاح الدين أوقف على هذه الخانقاة التي خصصها للصوفيين، عدة مواقع كي تصرف على شؤون الخانقاة.
ومما ذكر في الوقفية أن صلاح الدين أوقف المكان على "المشايخ الصوفية الشيوخ والكهول والشبان والبالغين والمجردين من العرب والعجم من سائر البلاد الشاسعة".
وتتكون الخانقاة من طابقين وتضم مسجدا وكانت في فترتها المبكرة بمثابة سكن داخلي للطلبة والدارسين.
واتخذت الخانقاة لها وضعا مهما، عندما كان يعين لها ناظرا بقرار سلطاني، وأول ناظر لها غانم الأنصاري الخزرجي، وأحفاده المعروفين الان بالغوانمة.
وتولى المنصب علماء فقه وضعوا كثيرا من التصانيف، أما الان فيتولى الإشراف على الخانقاة عائلة العلمي.
ورغم شهرة الخانقاة وأهميتها التاريخية، إلا أنها تبدو الان كبناء مهجور، لا يستخدم مسجدها للصلاة إلا لماما، وتحتاج إلى كثير من الترميم لان المبنى قديم ويعود إلى العصر الروماني.
ويعاني المبنى مما تعانيه أغلبية المباني في القدس القديمة، خصوصا الوقفية منها، وما تواجهه من تعقيدات في الترميم من جهات داخلية ومن سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وربما الجديد الذي ادخل على المبنى هو قبر محمد العلمي الذي توفي عام 1992، وكان "شيخ وإمام زاوية الخانقاة الصلاحية"، الموجود في الفناء، وما زالت عائلته تسكن في المكان، تمارس دورا رسم لها ضمن تعقيدات قرون من الحروب التي تعرضت لها المدينة المقدسة، ولم تنته عند صلاح الدين، الذي أضاع ورثته المدينة بعد أن استعادها، وما زالت ضائعة إلى الان، بينما تنتظر عائلة العلمي زمنا يأتي تسلم فيه ما تعتقد انه أمانة يجب الحفاظ عليها.
تحياتي