- المغرب ورمضان
- رشيد سليماني
- الملك الحسن الثاني
- عالمية الدروس الحسنية
- مواقف مثيرة شهدتها الدروس الحسنية
- الدروس الحسنية في العهد الجديد
- الملك محمد السادس
- استشراف لمستقبل أفضل
المغرب ورمضان
رشيد سليماني
من اجمل السنن الحميده التي تقوم بالمغرب ويختص بها رمضان من دون الاشهر ويتفرد بها المغرب من دون كافة دول المسلمين تلك هي الدروس الحسنية الرمضانية التي ظهرت لأول مرة في غرة شهر رمضان المبارك من عام 1382 هجرية، الموافق لعام 1963 ميلادية،
إنها دروس يكفيها فضلا أن لمجالس الذكر فيها الحظ الاوفر، وتكسوها خيرية التفقه في الدين بما تستلزمه من إحاطة واسعة بعلوم شريعة الإسلام السمحة، واستيعاب متبصر لما استجد في أوضاعنا المعاصرة، وما تغير من أحوالنا المعيشية، وصولا إلى المزاوجة المنشودة بين فقه التأصيل وفقه التنزيل؛ الأمر الذي لمسناه بوضوح، ليس فقط في تعدد الموضوعات المطروحة للدرس والتحليل، ولكن أيضا في اختلاف زوايا النظر والمعالجة.
الملك الحسن الثاني
وهكذا رأت النور ولم يمضِ على تولي مؤسسها الملك الراحل الحسن الثاني مقاليد الحكم سوى عامين، وبعد مرور سنة على إقرار أول دستور عرفه تاريخ المغرب المعاصر، والذي صدرت ديباجته بالتأكيد على إسلامية الدولة المغربية، ونص في فصله السادس على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، كما جعل الفصول المتعلقة بالدين الحنيف في منأى عن أي تعديل أو تبديل.
حيث وجد في الدروس الرمضانية مناسبة لإعادة الاعتبار لمكانة العلماء وتأكيد دورهم التوجيهي داخل المجتمع، وهذا ما ترجمه بالفعل التقليدي الذي جرى اعتماده في ترتيب مشهد هذه الدروس؛ والذي يجعل واحدا من العلماء المدعوين يعتلي المنبر بقصد إلقاء الدرس المقرر بحضرة الملك والأمراء والمستشارين، هذا إلى جانب أعضاء الحكومة يتقدمهم الوزير الأول، وكذلك رئيسا مجلسي النواب والمستشارين، ورؤساء الفرق البرلمانية، وأعضاء الدواوين الوزارية، وكبار ضباط الجيش، فضلا عن العديد من الشخصيات العلمية والثقافية التي عادة ما توجه لها الدعوة لحضور مثل هذه المجالس.
ويجلس أعضاء السلك الدبلوماسي شهودا على هذا الموقف الذي يتمتع فيه صاحب الدرس بالحصانة ضد أي اعتراض أو تعقيب من قبل الحاضرين؛ فالكل مطالب بالإصغاء لما يقوله العالم الذي يكون حرا في اختيار موضوع الدرس. كما أن البث المباشر -عبر أمواج الإذاعة الوطنية ومن خلال شاشة التلفزة- يجعله في حل من مقص الرقابة الذي عادة ما يحد من حرية تعبير العالم عما يود إبلاغه لملايين المشاهدين والمستمعين، خاصة في حضرة ملك البلاد والماسكين بزمام الأمور فيها من أمراء ووزراء وقادة للجيش.
أضف إلى ذلك أن هذا المنبر درجت على اعتلائه نخبة من الراسخين في العلم الذين لا يخشون في الله لومة لائم، نخبة من جهابذة العلماء الذين لم يرتضوا قط الركون إلى الظالمين، ولا لُوِّثت صحيفتهم بمداهنة حاكم أو ممالأة ذي سلطان. وحسبنا أن نذكر من بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، الإمام المجدد "أبو الأعلى المودودي"، وشيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحق، والعلامة المجاهد الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمهم الله جميعًا-، والعلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، إلى جانب إخوان لهم من المغرب من مثل العلامة المجاهد علال الفاسي والفقيه الحجة الرحالي الفاروقي، والشيخ عبد الله كنون رحمهم الله تعالى جميعا.
.
أما بالنسبة للوقت المحدد لإلقاء هذه الدروس فبعيد صلاة العصر، على أن تستغرق مدة الإلقاء ما بين خمسة وأربعين دقيقة وستين دقيقة. وفي حالة ما إذا كان الموضوع طويلاًَ وتطلَّب وقتا أكثر، فإنه يلقى في حصتين، كما كان الأمر دائما مع الفقيه الأصولي الشيخ محمد الأزرق الذي اعتاد أن يخصه الملك الحسن الثاني بيومين.
وجرت العادة بأن يلقي وزير الأوقاف والشئون الإسلامية المغربي الدرس الافتتاحي لهذه السلسلة الرمضانية، على أن يعقبه في اليوم التالي درس لعالم من خارج المغرب، فعالم مغربي،... وهكذا دواليك.
وقد كان اختتام سلسلة الدروس الحسنية يتم في اليوم العاشر من شهر رمضان الذي يتزامن وذكرى وفاة الملك محمد الخامس رحمه الله، قبل أن يتم العدول عن ذلك، ويرجأ تاريخ الحفل الختامي إلى ليلة السابع والعشرين من شهر الصيام، التي هي ليلة القدر على الراجح من أقوال العلماء. ويشرع في مراسيم الحفل بعد الانتهاء من صلاة التراويح، بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، يتلوها الفائز بالجائزة الملكية في المسابقة الوطنية للحفظ والتجويد، والذي يتسلم الجائزة المذكورة نقدا من يد الملك شخصيا.
بعد ذلك يتقدم أحد العلماء المغاربة الأجلاء بإلقاء درس ختم صحيح الإمام البخاري -رحمه الله - ينهيه بتذكير الحاضرين بالحديث الذي ختم به الجامع الصحيح، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
إثر ذلك، يقوم أحد العلماء الضيوف، باسم كافة العلماء المشاركين، بإلقاء كلمة شكر وامتنان للملك بالمناسبة. وعادة ما يتخلل هذا الحفل الختامي إلقاء بعض القصائد الشعرية المستلهمة من تلك الأجواء الرمضانية المباركة. أما الختام فيعود للملك الذي غالبا ما يغتنم مثل هذه الفرصة للإعلان عن قرارات مهمة في سائر المجالات.
عالمية الدروس الحسنية
لعل أول ما يلفت انتباه الناظر في المسار التاريخي للدروس الحسنية الرمضانية هو استقطابها للعديد من العلماء المنحدرين من شتى أنحاء العالم، ممن اختلفت ألسنتهم وألوانهم بينما ائتلفت قلوبهم على عقيدة التوحيد ويمموا جميعا نحو قبلة واحدة. منهم أعلام في فقه الشريعة، وجهابذة في الفكر الإسلامي، ورجال دعوة ذاع صيتهم حتى سارت بذكرهم الركبان.
ماذا عسى المرء أن يقول بشأن سلسلة دروس تناوب على إلقائها نخبة من ورثة الأنبياء الأفاضل من حجم العلامة المجدد أبي الأعلى المودودي، والشيخ أبي الحسن الندوي من الهند، والإمام موسى الصدر من لبنان، والشيخ محمد متولي الشعراوي من مصر، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من سوريا، والشيخ محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، والشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور عصام البشير من السودان، والدكتور طه جابر العلواني من أمريكا...؟ والقائمة طويلة.
ولعل ما زاد سمة العالمية هذه دلالة أعمق هي انفتاح الدروس على كافة المذاهب الإسلامية المعتبرة، سنية كانت أم شيعية أم إباضية؛ بل إنها شكلت قبلة مفضلة للعديد من مشايخ الطرق الصوفية. الشيء الذي أكسبها أهلية غير عادية للإسهام في لملمة الصف الإسلامي المترهل بفعل عوامل الهدم الكثيرة التي أثخنت جسم الأمة بالجراح، وعملت على إذكاء نزوعات الفرقة والشقاق، ودأبت على نصب الحواجز النفسية بين مكونات الجسد الواحد التي بات بأسها بينها شديدا بعد أن استبدلت لغة الشجار بنهج الحوار.
ومن يُمن هذه السنة الحسنة أنها تمكن العديد من المواطنين الذين لم يتسن لهم الإلمام بالقراءة والكتابة، من فرصة نيل ثواب ختم القرآن الكريم خلال شهر الصيام عبر الاستماع إلى أصوات جميلة وهي تتغنى بالوحي المنزل مثل صوت المرحوم الشيخ محمد عبد الصمد.
مواقف مثيرة شهدتها الدروس الحسنية
ما أزال أذكر ما قاله العلامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح، في ختام أحد دروسه الرمضانية، موصيا الملك الحسن الثاني، وقد نزل ضيفا عنده في قلب القصر الفاخر وبشهود جموع الحشم والخدم وأمام ملايين المشاهدين عبر الشاشة والمستمعين من خلال أثير الإذاعة، بعبارة: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، وهي نفسها الوصية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ونختم بشهادة قيمة أدلى بها العلامة الشيخ عبد الفتاح أبوغدة بحضرة الملك الراحل الحسن الثاني، حيث خاطبه بقوله: "لقد تفردتم في هذا العصر، من بين الملوك والرؤساء، بهذه السنة السنية وهذا الفضل الفريد؛ وتفردتم أيضا بأنكم حين تجمعون العلماء تجمعونهم لإعزازهم ورفع مقامهم وإعلاء شأنهم، تجمعونهم وتجلسون بين أيديهم متواضعين مصغين مجلين معتقدين بقداسة ما يقولون من كتاب وسنة وفكر إسلامي صحيح، سلفي أو خلفي، فأنتم بينهم في مقام الشهود لهم بصدق ما ينقلون وحق ما يقولون، وقد تنكر من تنكر للكتاب والسنة ممن أرى ذكرهم في هذا المجلس الطاهر من باب ذكر المنكر، وقد حفظت عنه مجالسكم المنيفة ومسامعكم الشريفة، فليس فضلكم مقصورا على جمع العلماء من أقطار الأرض فقط بل جمعهم من أقطار الأرض وبمشاركتكم لهم بالاعتقاد بالكتاب والسنة كما يعتقدون".
الدروس الحسنية في العهد الجديد
الملك محمد السادس
خيرا فعل الملك محمد السادس عندما أبدى تشبثه بسنة الدروس الحسنية وعمل على ضمان استمراريتها؛ ولعل أهم ما أضافه العهد الجديد لهذه المجالس الرمضانية هو انفتاحه لأول مرة على رموز الحركة الإسلامية بالمغرب، حيث دعا بداية الدكتور أحمد الريسوني، وقت كان رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، لإلقاء الدرس بين يدي الملك الشاب. كما سنحت الفرصة في وقت لاحق أمام الدكتور فريد الأنصاري للإدلاء بدلوه في هذه السلسلة الرمضانية.
ويبقى أهم تحول شهدته الدروس الحسنية في هذا العهد هو ذاك المتمثل في إشراك العنصر النسوي في سابقة هي الأولى من نوعها على امتداد تاريخ هذه الدروس، حيث انبرت الدكتورة رجاء الناجي المكاوي، الأستاذة بكلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس، لإلقاء درس قيم حول النظام الأسري الإسلامي مقارنة بما عليه الوضع الأسري في المجتمعات الغربية.
ومع ذلك، فقد عرفت الدروس الحسنية في ظل العهد الجديد تراجعا ملحوظا، إن على مستوى عدد الدروس الذي لم يتجاوز في السنة الماضية ستة دروس، أو على مستوى المكانة العلمية لبعض المحاضرين غير المؤهلين أصلا لاعتلاء منبر بذلك الزخم التاريخي الكبير.
استشراف لمستقبل أفضل
أملنا كبير في أن تتحول الدروس الحسنية إلى مؤسسة قائمة الذات تبلور مؤتمرا عالميا لخيرة علماء الأمة في غرة شهر القرآن، وتشكل مناسبة لتحقيق مقصود التواصل، وترسيخ لغة الحوار والجدال بالتي هي أحسن بين مختلف ألوان الطيف الإسلامي، ومحطة للتعرف عن قرب على هموم وانشغالات الأقليات الإسلامية المتناثرة على امتداد أرجاء المعمورة؛ ولمَ لا تتنافس باقي البلدان الإسلامية في استلهام هذه التجربة المتفردة والعمل على تطويرها خدمة للإسلام والمسلمين؟.
على أن أجر هذه السنة الحسنة وأجر من عمل بها سيظلان مكفولين لصاحب الفضل في خروجها إلى حيز الوجود أول مرة. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
منقول وملخص للفائده
وأنا آمل مثل ما يأمل الكاتب الاستاذ رشيد سليماني
مقال جميل
يتيح لنا الاطلاع على فكر النخبة في بلدنا الشقيق المغرب
فشكرا للكاتب ... وشكرا للناقل
نشمي التغلبي