- العهد السعودي الحالي
- المرحلة الانتقالية
- التطور والازدهار
العهد السعودي الحالي
المرحلة الانتقالية
دخلت المدينة في ظل الدولة السعودية في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1344ه عندما سلمها القادة الهاشميون بناء على اتفاق خاص مع الملك عبد العزيز، وقد تسلمها الأمير محمد بن عبد العزيز، وأقام فيها بضعة أيام، رتب خلالها الأمور الإدارية ثم تركها، ولحق بوالده، وعين إبراهيم السبهان وكيلاً للأمير محمد فيها يقوم بشؤونها. وقد شهدت المدينة المنورة تطورات متلاحقة، وعلى مراحل عدة مع التطور الذي شهدته المملكة العربية السعودية بعامة. ولقيت عناية كبيرة من رجال الحكم على توالي العقود.
وفي بداية العهد السعودي أزيلت مظاهر البدع الشركية التي نمت أواخر العهد العثماني وخلال العهد الهاشمي وحظرت العادات المخالفة للسنة.
وكان أهم ما كسبته المدينة خاصة ومدن المملكة الأخرى عامة، هو الأمن والأمان، فطالما اشتكت الطرق المؤدية لها من غارات بعض الأعراب واللصوص وقطاع الطرق، ولم تسلم المدينة نفسها من بعض الغارات، وقد تغير الحال نهائياً في العقود الأولى للعهد السعودي بفضل الخطة الحكيمة التي عالج بها الملك عبد العزيز مسألة الأمن، إذ ألزم القبائل القريبة من الطرق أن تتعاون في حمايتها، والبحث عن المفسدين وتسليمهم إذا كانوا منها والمسؤولية فردية وجماعية في آن واحد، ونجحت الخطة وتحول كثير من الذين امتهنوا قطع الطريق من قبل إلى حماة الأمن أو متعاونين مع الحماة. وقد ساعد على إنجاز هذه الخطة توطين القبائل المتنقلة وإرسال الوعاظ والدعاة إليها، وفتح أبواب التعليم والوظائف لأبنائها، فظهر تحول نوعي في المفهومات والسلوك، وتقدير للمسؤولية والخوف من العقاب الصارم وانتهى عهد الأتاوات وقطع الطريق واللصوصية.
التطور والازدهار
وتبع المرحلة الانتقالية تطور في جوانب الحياة الأخرى، حيث طويت صفحة المتغيرات السياسية واضطراباتها وتقدمت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أما الصفحة السياسية فقد جعل الكيان الجديد والكبير للدولة السعودية المدينة المنورة مركزاً حضارياً ودينياً بعيداً عن هموم القرار السياسي، وتركز القرار السياسي في أيدي المسؤولين عنه في العاصمة، ومركز الحكم، وانصرفت اهتمامات أهل المدينة إلى بناء حياتهم وتطويرها في التعليم، والزراعة، والتجارة، والصناعة، والعقارات، وخدمات الزائرين، والعلاقات الاجتماعية، والعبادة.. إلخ. وحدث التطور المدني على مراحل مواكباً التطور في المراكز الحضارية الأخرى في المملكة أو لاحقاً به. بدأ بطيئاً في العقود الأولى ومناسباً لمرحلة التأسيس التي مرت بها المملكة بعامة، ثم تسارع شيئاً فشيئاً واشتد في العقدين الأخيرين وصار قفزة كبيرة. فبعد أن تهيأت عوامل الطمأنينة والاستقرار بدأ النمو في الجانب الاقتصادي وتركز أول الأمر في التجارة والخدمات ثم الزراعة ثم الصناعة فتضاعفت المحلات التجارية وتنوعت بضائعها وتحول بعض التجار إلى مستوردين أو وكلاء عامين في المنطقة لكثير من المنتجات المستوردة.
وشهدت مواسم الزيارة المتعددة ازدهاراً في الحركة التجارية بعامة أدى إلى ظهور أسواق عدة تركزت حول المسجد النبوي ثم امتدت إلى طريق قباء الصاعد والنازل، ثم امتدت إلى الأحياء القريبة ومناطق التجمع السكاني الأخرى، وأخيراً ظهرت مراكز تجارية كبيرة تتوزع في جهات المدينة الأربعة.
وفي ميدان الخدمات نشطت الإنشاءات الفندقية والمطاعم وتركزت حول المسجد النبوي الشريف ثم اتسعت دائرتها وامتدت إلى الشوارع التالية بعد أن تضاعفت أعداد الزائرين وخاصة في المواسم.
وفي ميدان الزراعة زحف العمران إلى البساتين التي كانت تتخلل أحياء المدينة الكبرى أو تلاصقها، واختفت فيها غابات النخل الكثيفة ومزارع الخضروات والعنب.. ولكن ظهرت عوضاً عنها مزارع كبيرة في أطراف المدينة وظهرت البيوت البلاستيكية التي تنتج الخضروات على مدار السنة ووافقها مداجن حديثة ضخمة تقدم سنوياً أطناناً من لحم الدجاج والبيض الطازج.
وفي ميدان الصناعة تطورت الورش الصغيرة وتحولت إلى ورش كبيرة أكثر تقنية.. وظهرت مصانع كثيرة لتعبئة التمور و لإنتاج اللوازم المنزلية البلاستيكية والطوب الأحمر وتنقية المياه ومصانع الألبان وبعض الصناعات الغذائية كالحلاوة، ومشتقات الذرة.
وفي المجال الثقافي شهدت المدينة تطوراً كبيراً في التعليم وأقيمت عشرات المدارس في مختلف المراحل وأنشئت الجامعة الإسلامية، وفتحت فروع لجامعتي الملك عبد العزيز والإمام محمد بن سعود بالمدينة فضلاً عن المعاهد والكليات التابعة لوزارة المعارف والرئاسة العامة للبنات وظهر جيل مثقف من الجنسين وأقبل على الوظائف وحصل عدد منه على أعلى الدرجات الجامعية، الماجستير، والدكتوراه، وتولوا مناصب عالية في مختلف الوزارات والجهات التعليمية.
وفي مجال العمران اختفت الأحواش والحارات الضيقة والبيوت الطينية القديمة وظهرت مباني جديدة عالية تتوافر فيها أحدث نظم البناء والراحة. كما ظهرت أحياء كاملة من مساكن العائلة الواحدة (فيلات) تحمل في واجهاتها تشكيلات جمالية رائعة تجمع بين التراث والمعاصرة. ووسع المسجد النبوي في توسعة أولى بدأت في عهد الملك عبد العزيز عام 1368ه وانتهت في عهد الملك سعود في عام 1372ه.
وفي العقد الأخير شهدت المدينة ملحمة عمرانية ضخمة مازالت امتداداتها مستمرة حتى الآن.. هذه الملحمة هي توسعة المسجد النبوي الأخيرة، وتشييد المنطقة المركزية المحيطة بها. فقد أمر خادم الحرمين الشريفين بإحداث توسعة تاريخية جديدة للمسجد النبوي أضاف إليه اثنين وثمانين ألف متر مربع، وشّيد مبنىً جديداً للمبنى العثماني القديم بأحدث ما وصلت إليه تقنية البناء من آليات وأجهزة وتصميمات (راجع فقرة المسجد النبوي) وهدمت الأحياء الأخرى خلفه والتي كانت ضمن سور المدينة وأعيد تنظيم الأرض وبدأت تقوم عليها مجمعات سكنية تجارية ضخمة تستوعب عشرات الآلاف من الزائرين وتقدم لهم أرقى الخدمات وستشكل هذه المجموعات مجموعها أربعة أحياء تحيط بالمسجد النبوي من جهاته الأربعة وتعتبر مدينة متميزة من أحدث مدن العالم في تنظيمها وخدماتها ومظهرها الجمالي العام.
لقد قفزت المدينة المنورة في العهد السعودي الحالي قفزة واسعة عبرت بها عشرات السنوات من التقدم في جوانب الحياة المدنية كلها. ورعى هذه القفزة المسؤولون الأولون في الدولة والأمراء ووكلاء الأمراء الذين تولوا الإدارة وأشرفوا على التطوير والتنفيذ.
وقد تولى إمارة المدينة ووكالتها حسب التسلسل كل من: الأمير محمد بن عبد العزيز، ووكيله إبراهيم السبهان. ثم الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز ثم الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز .ثم الأمير مقرن بن عبدالعزيز و الان الامير عبدالعزيز بن ماجد .
تحياتي