- زيارتي إلى شقراء و أشيقر حيث عبق الماضي العريق و نهضة الحاضر الزاهر
- مقدمة :
- مدينة أشيقر :
زيارتي إلى شقراء و أشيقر حيث عبق الماضي العريق و نهضة الحاضر الزاهر
مقدمة :
قد يكون حديث صديقي الدائم عن بلدته ” أشيقر ” هي من دفعني و بقوة لزيارة تلك المدينة , و غرس في نفسي حب الفضول و التطلع لمعالم تلك الأرض . فقد كان حديثه حديث عاشق , و كلماته كلمات مهيم . فكان أمر الزيارة قد تقرر منذ زمن . و جاء أمر آخر جعلني أتتوق لهذه الزيارة فزاد الشوق و الرغبة بالنزول إلى تلك الجنة , فقد قُدمت لي دعوة أخرى للزيارة من أحد الأعضاء الأعزاء فكان الأمر الذي لا مفر …فإليكم الزيارة بتفاصيلها …
قد تكون مدينتي شقراء و أشيقر قد نالتا حظهما من زينة الحياة الدنيا , و زهرة الآخرة , و ذلك لِما برز منهما من رجال كثر في مجال العلم و العمل , فقد زخرتا بالعلماء حتى سميت ببلاد العلماء , و اشتهرت برجال الأعمال حتى ذاع صيتهم في أطراف الأرض .
و لقد كنت بزيارة لتك المنطقة في الأيام الماضية , و حظيت بجولة في ربوعهما فسرني ما وجدت فيهما من حاضر مزدهر و ماض عريق .
إن المتأمل لأزقة البلدة القديمة لتلك المنطقة يلحظ تاريخهما التليد , فعلى أطراف شقرا القديمة يوجد سور طيني يحيط بها من جميع جوانبها , و هذا السور يتخلله قلاع عدة بأماكن متفرقة . و يلحظ الرائي أن أودية , و شعاب المناطق المحيطة تعبر من تحت أسوارها لتغذي أهلها . و من يدقق النظر في تلك المساكن الطينية المهجورة يعلم يقيناً أن الكثير من أهلها كانوا برغد من العيش , و أن الله قد حباهم من الخيرات الشيء الكثير.فالله الحمد من قبل و من بعد .
فالبيوت الطينية قد أقيمت بشكل رائع , و بأدوار متعددة , و زخرفت بزخارف جميلة , و صممت بنوافذ واسعة و أبواب كبيرة .
و من زار شقراء يجد أنها تختلف بطراز مبانيها عن جارتها أشيقر , و لكن يجمعهما الفخامة و حسن التصميم . و الجمال و الكمال .
من سار في طرقات تلكم البلدتين يجد من الحسن الشيء الكثير , و يجد من النظافة ما يلفت النظر . فالطرقات فسيحة و المباني على أطرافها مصطفة و جميلة .
شقراء و أشيقر هما من محافظات منطقة الوشم , و المسافة بينهما عدة كيلومترات , و هما يسكنان في ظل ذلك المرتفع , و أن من يصعد المرتفع تظهر له المدينتين بكاملهما , فذلك المرتفع قد يكون مَطَلٌ مناسب لمن أراد أن يشاهد المدينتين بشكل كامل رائع . فتظهر النخيل و المزارع , و المباني القديمة و الحديثة , و تشقها الطرقات المضيئة .
مدينة شقراء :
دخلت مدينة شقراء ضحاً و أهلها نائمون , فالمدينة لازالت تغط في سبات عميق , و الطرقات خالية من المارة , و الأحياء هادئة إلا من بعض أهلها .
أخذت جولة في المدينة الحديثة , و رأيت كيف استطاعت أن تواكب هذه المدينة النهضة التي تشهدها هذه البلاد العزيزة. و إن كان هناك منظر يشد النظر و بوضوح يظهر . فهي النظافة العامة لكل أحياء و طرقات المدينة , فلن تستطيع و مهما حاولت أن تجد ورقة شجر تذروها الرياح . أو مكان غُفل عنه و لم ينظف . أو حفريات منسية منذ مدة زمنية . و هذه مزية تتميز بها شقراء و كذلك جارتها أشيقر . و لو أنني زرتها في موسم الأمطار لقلت أن السماء قد غسلتها في ذلك المساء .
كان الأمر الذي يهمني من هذه الزيارة أن أطلع على البلدة القديمة و ما حولها , و أن أسبر أغوار مبانيها .
اتجهت إلى الجزء البعيد من مدينة شقراء . مررت من على جسر يربط المدينة الجديدة و البلدة القديمة. و يظهر للمار أن أسفل هذا الجسر قد أعتاد أن يزدان بالأمطار بموسم الشتاء . و على جانب هذا الجسر يمتد سور يلف المدينة بالكامل كما يلف السوار المعصم . و على هذا السور نصبت قلاع عدة أو مراقب بتسمية أخرى مختلفة. هذه السور كان يصد الأعداء في الزمن القديم , و يحفظ أمن البلدة من الغائرين .
و أعتقد أن نظام البلد مماثل للبلدان القديمة في أرض نجد . فلا يُدخل الزائر البلد إلى عن طريق البوابة الرئيسية , و هذه البوابة تغلق مع مغيب الشمس , و تفتح أبوابها مع شروقها . فكان الرحالة , و المارة , و التجار القادمون ليلاً يقفون عند سورها و أبوابها حتى تفيق القرية من نومها و تفتح أبوابها , إلا من كان له أمر دخول . فهذا له حكم خاص .
أما المرقاب المنتشر على الأطراف فشأنها مراقبة القادم و المغادر , و أما في أوقات الحرب فشأنها شأن آخر , فهي مكان ملائم لرصد الأعداء المتربصين بالبلد , و مكان لأصابتهم قبل و صولهم لسور البلد .
من رأى البلد و سورها يعلم أن البلد كانت معقلاً للتجار , و أنها تزخر بأنواع عدة من التجارة , و أن للسور دلالة على أهميتها بالغة بين مدن تلك المنطقة , و ما ذالك بغريب فموقعها بوسط نجد و طريق الغادي و الرائح إلى الرياض و الكويت و الحجاز و القصيم قد أكسبها أهمية مضاعفة .
في البلدة القديمة تحضر و بقوة صورة مؤلمة فقد دَكَت الحضارة الحديثة الكثير من بناياتها , فغدت قاعاً صفصفاً لا ترى فيها إلا عوجاً من البقايا . من يرى البلدة يشعر بالحزن , و الضيق , و الأسى . كيف تهدم حضارة ؟! و كيف نفقد مثل هذا الموروث الرائع ؟!..
لقد استبدلت أماكن التجار في القرية القديمة فصارت خراباً , و حولت محلاً للعمال في أحسن الأحوال .
و بقي بيتاً واحداً يصارع التغيير , و يقاوم هجمة الحضارة الشرسة , هذا البيت هو بيت السبيعي فقد دخل إلى دائرة التراث بالمملكة .
من رأى بيت السبيعي , و بيوت عدة من البيوت في تلك المدينة , يلحظ أن أهل البلد قد سكنوا ببيوت ذات أدوار متعددة , قد تصل للدورين أو الثلاثة .
و تزين تلك البيوت نوافذ كبيرة , و تلك البيوت إما أن تكون متلاصقة أو تحيط بها أسوار فتجعلها مستقلة , و تحيط بكل مجموعة من البيوت طرقات إما صغيرة متعرجة أو ممتدة واسعة .
عندما تقلب نظرك في أطراف البيت و ما جاوره . تجد أن البيوت قد صممت بوجود ردهات مطلة إما على الدور الأولى أو على شوارع المدينة . وفي بلدتنا ” بلدة الكاتب ” القديمة لم نصل لهذا المستوى من فن العمارة , فقد كان أغلب إن لم يكن كل البنايات هي عبارة عن دور واحد
. و أما الصالات ” الليوان “ فلم يكن موجوداً في الأدوار الأخرى فقط إنما هو بالدور الأولى . حيث يمتد و تفتح عليه الغرف و يكون مسقوفاً بجذوع الأثل , و قد غطيت الجدر إلى أنصافها بالجبس . و ذلك لتزيينه ولتحفظه . و قد نقش في أعالي البيوت نقوش مختلفة تدل على ذوق أهل تلك البلدة .
مدينة أشيقر :
خرجت من مدينة شقراء إلى مدينة أشيقر القريبة منها . و لم تقل تلك البلدة الجميلة عن حال أختها . فمن يزرها يعلم أنها بلدة طيبة , و يداخله بشعور غريب و هو حب يتغلغل بالقلب و كأنه حب فطرة . أخذت الطريق الذي يطوق المدينة من جميع اتجاهاتها . حتى وصلت إلى مبنى قد شيد في وسط البلدة القديمة . هذا المبنى قد تبرع به أهل أشيقر لإقامة متحفٍ للتراث . قابلنا بعض القائمين على المتحف بالسلام و الابتسامة و بالتهلية و الترحاب .
و عندما دخلنا إلى وسط ذلك المبنى كان الماء يقطر من فم السقاء , فلم ندم طويلاً حتى قُدم الماء البارد من ذلك السقاء .
فلم نطق صبراً …فأخذنا جولة بين أجزاء ذلك المتحف . و تفرجنا على أركانه و محتوياته . فانتقلنا للصالة الخاصة باستقبال الزوار , و هي مجهزة بكل أمر يسر الزائر, فهي تحتوي على صور للبلدة و بعض تراث أهلها .
و قد فرشت بفرشات تراثية فاخرة , وصفت مساند و متكآت من أول المجلس حتى آخره , و يزين آخر ذلك المجلس ” قهيوة ” أو مشب بعرف البعض .
حيث صفت الدلال بألوانها البراقة و الأباريق بلونيها المختلفة , و زين الكمر بكل لون من ألوان التراث .
أما المتحف الداخلي ففيه بعض أدوات الأولين من وسائل الطبخ و حفظ الأطعمة .
و هذا المتحف لازال في لبناته الأولى . و لكن رغم ذلك فهو جميل بكل ماتعنيه الكلمة , و يكفي أن سخر أهل البلد أنفسهم لخدمت زائريهم و محب بلدتهم .
من خلف ذلك المبنى توجد البلدة القديمة الطينية و التي رممت بشكل رائع جميل .
حيث توجد البيوت الطينية المتراصة , و يفصل بينها طرق مسقوفة . تحمي أهل البلدة من زخات المطر و البرد في الشتاء و من حر الشمس بالصيف .
مما يزين تلك البلدة أن بيوتها متجاورة , أو متقابلة . فكل البيوت تحس و كأنها بيت رجل واحد , فتحس بالحميمية , و قوة الترابط بينهم , و التلاحم الذي يجمعهم .
و من يقف بأول الطريق يجد أن الطريق يضيف في نظره حتى يغدو كثقب إبره , أو أن الطريق يتعرج و يلتوي ليمر على بيوت أناس عدة .
هناك في تلك الممرات ورغم أن الزيارة في نهاية الصيف . لكن الممرات الطينية المسقوفة تجعل المرء يعيش بجو منعش من النسمات الباردة .
بدات الزيارة من جانب محل القصاب ” الملحمة ” و رأينا المكان الذي يذبح فيه ذبيحته , و ثم يعلقها من أجل سلخها .ِ ورأينا مكان دبغ جلدها .
ثم عرجنا على السواني , و رأينا كيف كانت السواني تعمل من اجل جلب الماء من البئر ” قليب ” البلد .
و في زاوية قريبة ….تم وضع ممرات للأمطار , هي سبيله عندما يمر على البلدة . فقد رسم على الأرض رسمة الولهة و الخير و الحياة, و حفرت الأمطار طريقها عبر مجرى صغير ينفذ عبر فتحة صغيرة في طرف سور البلدة . فهو يمتلئ في وقت الشتاء فيزور القرية عبر طرقاتها فينعم به أهل تلك البلدة .
في مكان آخر شيد مسجد رائع بين بيوت البلد و هو لعلم من الأعلام فهو بيت جد الأمام الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله جميعاً .
و هذا المسجد ظهر بشكل رائع بعد التجديد . و من جلس في المحراب , أو جلس بين السواري , أو نظر إلى السقف , فإن شريط الحياة يرجع بك إلى الوراء , و كيف كان حال السلف , و العلماء في ذلك البلد
بل و كيف كان حال العباد في هذا المسجد . فتسب في بحر من الذكريات . فكم من عابد كان لله ساجد , و كم عابد بلل ذلك الثرى , و كم قائم رفع يديه إلى السماء , و كم من مصلي صلى من الليل أكثره حتى تفطرت قدماه .
نفوس لها همم عالية تقربت لله مع ظهورالنجوم فارتفعوا فوق النجوم .
سموا بأنفسهم فعانقوا السماء .
أشعلوا سرجهم لرؤية مواضع سجودهم , فأنارت وجوههم من حولهم .
أضلمت الدنيا من حولهم , فأنارت قلوبهم مابين أيديهم و ماخلفهم .
لله درهم ستشهد لهم جدر و سواري ذلك المسجد .
و لله درهم من رجال ستشهد لهم حبيبات رمل ذلك المسجد .
و لله درهم من رجال ستشهد على قيامهم نجوم قد أطلت عليهم من نوافذ ذلك المسجد . عندما تُخرج من المسجد يملء قلبك شعور بالراحة و نفس تفيض بالصفا…خرجت من بين سواري المسجد و بقي قلبي هناك ….
خرجت من المسجد و أبتلعتني طرقات المدينة لأشاهد هناك بقايا من مظهر حضارة قديمة …و ألقاكم في الحلقة الأخيرة بإذن الله تعالى .
تحياتي لكم
نسيم نجد
وأكثر ماعجبني الصاله الخاصه بإستقبال الزوار ..
يعطيك العافيه
بالإنتظار ....