- حاضر . ياشويش (قلتها ممازحا).
- التفت اليه وسألته . وكان في عينيه دمعه
أستيقضت على رنين هاتفي المحمول . فنهضت كالملدوغ. ونظرت الى الساعة بجوار
الهاتف فإذا هي تشير الى الساعة الثالثة فجرا .أووه , كاد يفوتني أغلى موعد حصلت عليه
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
- الم تزل نائما . الا تعرف أني لم أنم إنتظارا لهذا الموعد ؟
- لا .تقلق فلا يزال الوقت مبكرا
- أي مبكرا هذا الذي تتحدث عنه . ألا تعرف ان المكان الذي نقصده في مكه وانت نائم في الطائف .
أنهض . أعطيك خمس دقائق تكون خلالها أمام باب منزلي . قالها كالآمر . وأعرف أني طول معرفتي به وهو يعاملني بألطف مما يعامل به أخوته الأكبر سنا . ولكني أعرف مدى مايتمتع به من روح الدعابه وخفة الظل .
حاضر . ياشويش (قلتها ممازحا).
أنطلقت لأغتسل . وألبس ثيابا كانت زوجني حفظها الله قد أعدتها لي مبكرا . وكانت تعدها لي ,, فجلبة المكالمه ونهوضي المفجوع قد . أفاقاها من نومها
- نكدنا عليكي ؟
- لا. أبدا ,,, كنت سأغضب أن رحلت ولم أشعر بك .
- الله يرضى عليكي . أطلقتها وأنا أشعر براحه , أني مع زوجة تركت ملذة نومها فقط لرؤيتي وأنا خارج لموعد سيستغرق مني ثلاث ساعات في أسوء الاحتمالات
غادرت بسيارتي الى منزل أحمد . وهو كأخ لي أصغر , أعرف عائلته كلها منذ زمن طويل , ومن شدة التصاقي بهم وحبهم لي كنا كأسرة واحده . وهو من مشاهير الكرة السعوديه , ولم تزده الشهرة الا تواضعا وحبا للناس
ربع ساعة فقط كنت أنا وهو نغادر مدينة الطائف منحدرين خلال جبال الهدا الى مكة المكرمه متوجهين الى بيت الله الحرام . لنلبي دعوة كريمة من أمارة منطقة مكة المكرمه للمشاركة في غسل الكعبة المشرفه .
- هل الدعوات معك أحمد . فكما تعلم لن ندخل بدونها ؟
- نعم إنها معي .
- أحمد . هل سبق أن دخلت داخل الكعبه ؟
- لا. وأنت ؟
- أما أنا فقد سبق أن دخلتها في شعبان 1416 ه
- وكيف هي من الداخل ؟
- سترى بعينيك .. لا تستعجل !!!
أوقفنا سيارتنا في مواقف للسيارت بعيدة نوعا ما عن المسجد الحرام . وأضطررنا للمشي طويلا وسط حشود هائلة من حجاج بيت الله . فاليوم هو الأول من ذو الحجة من العام 1419ه. وقد أكتمل تقريبا تواجد الحجاج في مكه ماعدا حجاج الجو فآخر يوم لوصولهم هو الرابع من ذو الحجه .
أذن مؤذن الفجر ونحن سائرون حتى أوقفتنا حشود المصلين بين مستشفى اجياد وعمارات الاشراف . وقفنا معهم نصلي على الأسفلت . فجموع المصلين وصلوا الى أبعد من المستشفى .
أدينا صلاة الفجر مع المصلين وما أن أنهى الامام التسليمتين حتى انطلقنا باتجاه الحرم . فجموع من المصلين تخرج من المسجد وجموع تدخل للطواف وشهود الحدث , فكان زحام عظيم . لم نستطع أن نصل الى قرب الكعبة الا بعد شروق الشمس أي مايقارب الساعة والنصف لمسافة 700 م فقط .
كان الجنود قد عملوا حلقة بشرية دائريه حول الكعبة بمساقة 20 م عن جسم الكعبه وفي هذا الفراغ يطوف ضيوف الدوله من رؤساء حكومات ووزراء وسفراء وغيرهم .
قدمنا دعوات الاماره الى المسئول عن الجنود وأدخلونا الى داخل هذه الدائرة المفرغه . ثم توجهنا مباشرة الى السلم الذي وضع للصعود الى بوابة الكعبه .
أقتربت منه وكلي رهبه من المكان والموقف وأعين مئات الآلاف من الحجاج المشدوهين بالموقف وأعينهم ترقب كل من يتحرك ,,,,يصعد أو يدخل أو يخرج الى باب الكعبه .
وضعت قدمي على أول السلم ولأول مره أحس بثقلها بالرغم من خماسي ولهفتي للدخول ومئات الأصوات داخلي تنادي ( هنيئا لك , لاتدخل فلست أهلالذلك. أدخل فأنت على باب الكعبه ) حتى أحسست أنني أشاهد فيلما لا أستطيع التحكم في مجرياته ...... صدقوني من رهبة المكان توقف تفكيري ... وشلت ذاكرتي .. صدقوني حاولت مرارا بعد الحدث حتى الساعه أن أتذكر تفاصيل الحدث ولكن الرهبه التي أصابتني أنستني كثيرا من هذه التفاصيل ..
ماأن وقفت بباب الكعبه فإذا هي من الداخل مظلمه لعدم وجود إنارة , فتقدمت خطوه الى الأمام وأحمد يدفعني من الخلف كالذي يستحثني على التقدم.... فبدأت أرى المعالم .. فإذا على يسار الداخل سادن الكعبة الشيخ عبدالعزيز الشيبي وهو رجل وقور وكبير في السن قد جلس على صندوق خشبي . يقال أنه يحوي الأشياء الموجوده داخل الكعبة من هدايا وخلافه .
ألقيت اليه السلام وتقدمت منه وطبعت قبلة على جبينه وقال بلجته المكاوبة الجميله (مرحبا ياولدي) .
فأدرت النظر الى ارضية الكعبة فإذا هي قد كسيت بالرخام الأبيض الجميل , وقد كنت أعهدها من الحجر كان ذلك قبل التجديد الذي حدث ذاك لعام .وإذا الناس قد توزعوا في حلقة جميلة وجوههم بأتجاه جدران الكعبة الاربعه , فالصلاة داخل الكعبة في كل اتجاه .وهناك من يحاول الصلاة على كل اتجاه من الاتجاهات الأربعه . فاذا في منتصف الكعبة عمودان يقفان مرتفعين الى الاعلى ويربطهما عمود أخر الى جنبتي الكعبه , وقد علق على العمود عدد من المصابيح التي يرجع عمرها الى مئات السنين .
رائحة عود البخور وماء الورد تملا المكان . وهما المكونين الرئيسين في غسل الكعبة من الداخل . وصوت الشيخ عبدالعزيز يقطع السكون كل لحظه بصوته الاجش (ياأخوان اللي صلي يترك فرصه لأخوانه للصلاه , الله يرضى عليكم)
أوه . أحمد لقد نسيته . فجال بصري يبحث عنه فوجدته يحشر نفسه بين اثنين . وبالكاد حشر جسمه النحيل بينهما , فكبر تكبيرة الاحرام بسرعه . فأنتظر قليلا وهو مطرق رأسه وبدأ ينفض رأسه كمن يتذكر شيئا وهو يغمض عينيه بشده , فأنكرت عليه ذلك . فهذا ليس موقف يسرح فيه المرء بغير ماهو فيه .
في أحد الاتجاهات يبدو ان شخصا أستمع لنصيحة الشيخ وبدا في التحرك من مكانه لأجدنفسي واقفا أكبر للصلاه مكانه .
أديت الركعتبن ودعيت بما شئت من صاحب البيت , أدعو الله ثانية أن يتقبل الصلاة والدعاء .
ألتفت الى رفيقي في الرحلة فإذا هو قد فرغ ايضا . فكان لابد من باب ايثار المسلم أن نترك المكان لآخرين . فأومأت له براسي للخروج وأرسل موافقته بحركة مماثله . فنهضت من مكاني , فمررت على الشيخ فودعنا بكل أدب جم .
في طريقنا للخروج وقفت وأنا أتجاوز أحد الداخلين . على باب الكعبه لأنظر للجموع الواقفت مشدوهه وكانت قبل قليل تكبر بصوت عالي عندما تحرك سلم باب الكعبة من مكانه. وأزداد تكبيرها عندما تقدم الشيخ الشيبي لفتح باب الكعبه وما أن انفتح حتى ضج الحرم بتكبير وصراخ لم أرى مثلهما . فكيف بها وهي تحاول أن تسرق نظرة الى داخل الكعبه . وقفت أنظر اليهم وقد رأيت دموع بعضهم تجري ونحيبهم يشق النفوس . نزلت السلم مغادرا أمشى وقد نعمت بطمأنينة لم أعهدها في حياتي , وخشوع لم يزل بي فلم أستطع رفع نظري عن الارض خجلا من صاحب المكان .
اخترقنا طوق العسكر , وبدأنا في اختراق الجموع . وهي ترمقنا بنظرات أظنها كانت تقول هنيئا لكما , والأصعب أن بدأ بعضهم بالتمسح بنا فقلت : لاحول ولاقوة الا بالله
بعد أرتفاع الشمس عن الارض كنا أنا وأحمد نغادر مكة المكرمه باتجاه الشرق عائدين للطائف . وكنا خلال الفترة واجمين لانكلم بعضنا البعض .
التفت اليه وسألته . وكان في عينيه دمعه
- أحمد .
- نعم .
- ممكن أسألك سؤال ؟
- تفضل .
- لماذا كنت تنفض رأسك عندما بدأت تصلي وكأنك تتذكر شيئا ؟
- إذاجاوبتك تصدقني ؟
- نعم . فلم اعهدك كاذبا أبدا وليس موقف مزح .
- من رهبة الموقف كبرت تكبيرة الإحرام فنسيت سورة الفاتحه وكنت أحاول تذكرها
الله لا يضرك ويوفقك حيث ما كنت
ويجعلك مباركا اين ما كنت
من حظك والله
وهذا شرف عظيم ما بعده شرف
ان تغسل بيت الله الجرام العتيق المعظم
هنيئا لك ولرفيقك
هذا الوسام المبارك الكبير
والله يجعلنا وإياك من اولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
اشكرك على هذا الشرح الممتع
والله يكتب لنا شرف تغسيل الكعبة المشرفة
تقبل فائق تحياتي وازكى سلامي
والسلام ختام الكلام