- نبذة تاريخيّة عن الموقع الأثري
- محاولات إحياء المدينة
- و دقة تعيش اليوم من المورد الفلاحي في أراضيها الخصبة.
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ و رَحْمَةُ الله و بَرَكَاتُه
إخترت لكم هذه المرة مدينة تاريخية جد مميزة و هي حسب نظري واحدة من أهم المدن التونسية قيمة من حيث الآثار التي تزخر بها...
"دُقَّهْ" / Dougga / Thugga
.
نبذة تاريخيّة عن الموقع الأثري
على مسافة 108 كم من تونس العاصمة و على بعد بضعة كيلومترات من بلدة تبرسق يوجد الموقع الأثري بدقة, الذي يشرف على هضاب وحقول قمح وزيتون الممتدة حول المعلم, مشكلة مشاهد طبيعية خلابة. ويحتوي الموقع على عدد من أروع المعالم الأثرية في البلاد وخاصة الضريح اللوبي البوني والكابيتول والفوروم والمسرح.
مدينة نوميدية تاسست سنة 500 قبل ميلاد المسيح كانت مركزا إداريا للمملكة النوميدية ثم تحولت الى مدينة قرطاجانية فرومانية و كانت تابعة انذاك الامبراطورية القرطاجية ثم احتلها الرومان و اصبحت احد اهم المدن الرومانية في العالم و ثاني اهم مدينة رومانية في شمال افرقيا بعد قرطاج.
لتصبح بعد ذلك «باقوسا» أي قطاع او منطقة ملحقة بمستوطنة قرطاج الرومانية التابعة لولاية افريقية البروقنصلية ثم انتقلت تحت حكم قالينوس 253-268م إلى مرتبة المستوطنات الشرفية Colonie honoraire.
وتتميز «دقة» بمعمارها وآثارها الدينية المتميزة سواء منها المحلية النوميدية أو الوافدة أي الفينيقية/ القرطاجية ثم الرومانية. فقد عرفت تشييد عديد المعالم ابتداء من أقدم ما اكتشف في القرن الثالث قبل الميلاد (بقايا معبد بعل حمون) وكذلك في فترة الملك النوميدي ميسيبسا (148- 118ق.م) ,حيث تم بناء ضريح تخليدا للملك ماسينيسا Massinissa.
بالإضافة إلى معبد ساتيرنSaturne الذي بني في فترة حكم الإمبراطور الإفريقي سبتيموس سيفيروس Septime Sévères م193-211
إجمالا عرفت دقة في القرنين الثاني والثالث ميلادي خاصة حركة معمارية مهمة. فشيد الكابيتول في بداية النصف الثاني من القرن الثاني ميلادي ومعبد ماركير Mercure في نهاية القرن الثاني وغيرهما. في بداية القرن الثالث تم تشييد عديد معابد النصر في عهد الإمبراطور كركلاCaracalla وغيرها من المعالم. ولعل هذا الثراء والتنوع الذي يعرفه المشهد العمراني التاريخي والطبيعي في دقة هو الذي يفسر إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي.
و قد عرفت دقة ازدهارا منقطع النظير خاصة في القرون الاولى من ميلاد المسيح. و لكنها سرعان ما بدأت تنهار بحلول القرن الثالث خاصّة عند اجتياح "الوندال" لها و بذلك تركت دقّة, و بقيت هذه المدينة في طيّ النسيان إلى أن تمّ اكتشا فها بحلول القرن السّابع عشر, و قد بدأت الحفريات الأثرية منذ 1890
محاولات إحياء المدينة
مجمل هذه الاكتشافات الأثرية والاضاءات التاريخية كانت نتاجا لعديد الحفريات المنجزة منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم, بدءا بحفرية الدكتور كرتون في بداية الفترة الاستعمارية إلى ما يقوم به المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بعمل متواصل منذ سنوات والتي أدت إلى إحداث منتزه دقة ضمن الموقع اثري بدقة للرفع من عدد الزوار وبعث حركية اقتصادية في المنطقة وتنشيط المهرجان الثقافي والترفيهي.
وقد انطلق المشر وع بإدخال بعض التحسينات الخدماتية وترميم المعالم وتهيئة المسالك المتوفرة بالموقع.
و تم إعداد البحوث الميدانية العلمية بشراكة تونسية فرنسية وانتهت إلى انجاز دراسات حول عدد من المعالم الدينية لدقة تم نشرها سنة 2005 في كتاب تحت عنوان «دقة: دراسات في المعمار الديني».
إن موقع دقة يمثل شاهدا اثريا ومعماريا حيا على التواصل التاريخي ودلالة معبرة عن تقاطع ال محلي في تراثه الثقافي المادي مع الوافد. فمعمار دقة وغيرها من المدن والمراكز الحضرية الأخرى في الفترة الرومانية والبيزنطية قد شيدته معارف الصانع المحلي الإفريقي فجاء متمثلا لبعض رؤى وأفكار منجزيه, لذا فان الحفاظ عليه والاعتناء به يندرج اليوم ضمن رؤية متكاملة لتاريخ البلاد التونسية وآثارها عبر حقبه ولحظاته التاريخية المختلفة.
و قد طرح خبراء اثار تونسيون وفرنسيون "مشروعا نموذجيا" لاعادة الاعتبار لمدينة "دقة" التي تعد واحدة من اهم واجمل المواقع الاثرية في شمال افريقيا وذلك لجعلها موقعا متطورا على خريطة السياحة الثقافية.
ويمتد موقع دقة الاثري على مساحة 70 هكتارا شاهدا على اكثر من خمسة و عشرون قرنا من حياة هذه المدينة التي اسسها الامازيغ في اواخر القرن السادس قبل الميلاد والتي تأثرت بحضارة قرطاج وازدهرت في العصر الروماني.
ويحتوى الموقع على عدد من اجمل المعالم الاثرية في تونس مع المسرح الروماني ومعبد الكابيتول وبعض المقابر الرومانية والقصور واقواس النصر والحمامات العمومية والمنازل الفخمة المفروشة بالفسيفساء فضلا عن الاراضي الزراعية.
وقد ادرجت "دقة" المعروفة قديما باسم "ثوقة" ضمن قائمة التراث العالمي فى كانون الاول/ديسمبر 1997 الا ان زوارها وعلى رغم من اهميتها لا يتعدون 45 الف زائر سنويا في حين تستقبل المنطقة الاثرية بقرطاج بالضاحية الشمالية للعاصمة التي تأسست سنة 814 قبل الميلاد 750الف زائر في السنة.
و دقة تعيش اليوم من المورد الفلاحي في أراضيها الخصبة.
إنّها المدينة الواقعة على جبل يتجاوز ارتفاعه عن البحر 700م. وهي ظلّت واحدة من أكبر المواقع الأثرية في العالم و يشهد على ذلك المسرح الذي يتّسع لأكثر من 000 3 متفرّج.
الضريح في قلب الموقع فما زال محافظا على حدّته أكثر من أيّ مكان أثري آخر في شمال إفريقيا. و معنى اسم دقة هو الجبل الصّخري و هو ما جعلها محطّ البونيقييّن (مصطلح اطلق على مزيج بين الشعب الفينيقي و الامازيغي) الذين استقرّوا فيها بعد تدمير قرطاج على أيدي الرومان. و بعد قرن تأثّرت دقة بالحضور الرّوماني و خاصّة وقت مملكة الحاكم " أدريان ".
موقع المدينة على الخريطة