رايق 1000
20-08-2022 - 09:45 pm
تاريخ صخور الرحامنة في مراكش الحمراء
> على بعد ساعة من مراكش الحمراء شمالا تمتد صخور الرحامنة جاثمة بكل غنج ودلال كحسناء الغابة النائمة، حيث عبق التاريخ الحاضر في لاوعي المغاربة.
وأنت تقتحم السلم الحجري الأنيق لمنتجع «فضاء بلادي» بصخور الرحامنة، يعترضك الحاج مصطفى حسيني بابتسامته الجميلة ولحيته الخفيفة البيضاء بلطافة زائدة وكرم حاتمي يشد الأنفاس برائحة «الطواجين» المغربية الشهية اللذيذة وكؤوس الشاي المنعنع، والناس في جلسات حميمة يتبادلون الأحاديث في باحة المنتجع، يمضون بلا إذن للتعارف وتبادل الأسماء أو العناوين وأرقام الهواتف، علاقات إنسانية عابرة، لكنها صادقة تزيد أواصر هموم الحياة المشتركة وسلاسة الناس وتجانسهم. أول ما يشد الزائر في منتجع «بلادي فارس»، هو تمثال لفارس جاثم بالقرب من مدخله كرمز ودلالة على الفروسية التي تعد صفة مميزة لسكان المنطقة لما يسمونه ب «التبوريدة»، التي يخصص لها موسم سنوي، حيث تعمل قبائل المنطقة على نسج تشكيلات من تاريخ رمزي ارتبط بحب الخيل، وهي عادة ظلت صامدة كما صمدت الجبال المحيطة بالمنتجع.
الفارس ينتزع جذور هويته من غياهب الأمكنة المحيطة، ينبثق من صمته وجماله التشكيلي ليعلن للعابرين في صمت، أنها ارض للقناعة والاحتشام والصبر وعزة النفس.
الذين عادوا لصخور الرحامنة، ومنهم الحاج، اعادهم الحنين ورمى بهم إلى هذه الأقاصي التي لم تكن إلا مساحات متناهية في خريطة المملكة قبل ان تحول إلى قصيدة مفتوحة على كل القراءات، وان التجربة نجحت تماما بكل السطوع.
لقد أعدنا قراءة المنطقة من دواخلنا، يقول الحاج، فقررنا العودة بأحاسيسنا الغامضة التي تأججت لدينا تجاه هذه الأماكن، لأننا نشعر بالحسرة ونحن نشاهدها مقفرة لا تشكل إلا معبرا، ونتأسى لركودها المزيف، وحتى لا تبقى محتشمة قاسية على نفسها قد انطوت غارقة في التأمل سجينة ذكراها البعيدة، لما كانت عليه من توهج في عمق الثقافة المغربية عموما.
الحاج مهووس بالكتابة والشعر، يطلب مني أن أقرأ له قصيدة (صخور بسعة الحلم) فيصغي إليّ بشكل غريب، بينما السعداوي وسي بوجمعة يتابعان تقاسيم وجه الحاج الذي يبدو مزهوا بجلسة السبت الأسبوعية كما عهدنا على تسميتها.
ترى ما الذي يجعل بعض الأماكن حية دائما فينا؟، قد نتألم منها في البداية، لكنها تتملكنا بكل قوتها الخفية، العمق الإنساني والجوانب الجوهرية في الحياة وحدها تجعل مثل هذه الأماكن خصبة وحية.
«فضاء بلادي» نغمة عزفها رجل محب لكل ألوان طيف الثقافة وعشق الوطن، نتعظ منه ونستلهم منه ونفتح نوافذنا من خلاله لنتنفس الكون والحياة والإنسان، تلك القدرة الهائلة لدى جميع الناس ممن يركنون سياراتهم في انتظام ليلتقطوا ما لم نستطع نحن رؤيته في مجرى الحياة الصاخبة وضجيجها.
.
.
اشكرك من الأعماق على هذا التقرير المميز
سلمت اناملك ..