- كل المسيحيين للجهاد المقدس ضد العثمانيين ، فانضمت بولونيا
- والبندقية و الدنمارك إلى هذا التحالف المقدس .
- (لأن ألمانيا كانت تتدخل في المجر الخاضعة للعثمانيين آنا ذاك)
هل تعلم أن الجيوش الاسلامية وصلت فيينا ثلاث مرات
الأولى والثانية كانت في عهد سليمان القانوني والثالثة كانت على عهد الخليفة محمد الرابع
وقدر الله أن لا تفتح النمسا
وقدر الله أن تنكسر شوكة العثمانيين عند حصون النمسا
جاءت هزيمة العثمانيين أمام أسوار فيينا في
12سبتمبر/أيلول 1683
لتشكل مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العثمانية !
إذ كانت فيينا أخر ما وصلت إليه الدولة العثمانية في فتوحاتها في
أوروبا، وكانت هزيمتها أمام هذه الأسوار المنيعة بداية التوقف
في تاريخ العثمانيين .
كانت الدولة العثمانية قد وصلت إلي درجة كبيرة من القوة مع
نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وهو ما أقلق أوروبا وبث
الخوف فيها، لذلك سعت للتخلص من العثمانيين .
فالنمسا شعرت بقلق شديد بعد استيلاء العثمانيين علي سلوفاكيا بالكامل ،
بالإضافة إلى 28 قلعة بالمنطقة . وكانت ألمانيا وراء سياسة
استعادة سلوفاكيا، وبسط سيطرتها على منطقة ترانسلفانيا،
وذلك دون أن تدخل مع الدولة العثمانية في حرب شاملة ، وكانت
هذه السياسة تغضب الصدر الأعظم "قرة مصطفى باشا»، وأخذت
تسيطر عليه فكرة توجيه ضربة قوية لألمانيا لكف يدها عن
التدخل في شؤون المجر.
واستطاع الصدر الأعظم قرة مصطفي باشا إقناع السلطان
العثماني محمد الرابع والديوان الهمايوني (مجلس الوزراء)
بإعلان الحرب علي ألمانيا، واتخذ هذا القرار في 1682 وتحرك
الجيش العثماني وعلى رأسه السلطان من أدرنة حتى بلجراد،
التي بقي فيها السلطان ، أما الجيش فتحرك تحت قيادة الصدر
الأعظم من بلجراد في جمادى الأولى 1683م للاستيلاء على
النمسا، وقد وصف هذا الجيش بأنه لم تتمكن أية دولة حتى ذلك
التاريخ من أن تجمع جيشا مثله ، وتسبب ذلك في قلق العالم
المسيحي في أوروبا وعلى رأسه ألمانيما. وأخذت الحرب بين
العثمانيين والألمان طابع الحرب بين الإسلام والمسيحية ، فوعد
الملك الفرنسي لويس الرابع عشر بتقديم قوات فرنسية للألمان
للقتال إلى جانبهم ، وساندت إنجلترا ألمانيا ضد العثمانيين وكذلك
هولندا وإيطاليا واسبانيا والبرتغال ، ووجه بابا روما دعوة إلى
كل المسيحيين للجهاد المقدس ضد العثمانيين ، فانضمت بولونيا
والبندقية و الدنمارك إلى هذا التحالف المقدس .
جمع الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه وأعلن أنه سيستولي على فيينا، وأنه سيملي شروطه على ألمانيا في هذه المدينة العنيدة (فيينا)؛ لأن الاستيلاء على "يانق قلعة" المدينة التي تعتبر مفتاح فيينا وتقع على بعد 80 كم شرقي فيينا على الضفة الغربية لنهر راب، لا يمكن أن يخضع ألمانيا ويجعلها تكف يدها عن شئون المجر.
(لأن ألمانيا كانت تتدخل في المجر الخاضعة للعثمانيين آنا ذاك)
أثار قرار قرة مصطفى باشا حيرة الوزراء وجدلهم، واعترض عليه الوزير إبراهيم باشا الذي أكد أن رغبة السلطان هي الاستيلاء على "يانق قلعة" ومناوشة أوروبا الوسطى بواسطة كتائب الصاعقة العثمانية، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا بأنه من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة، وهذا الأمر يقتضي إنزال ضربة قوية قاضية بالألمان، وإلا فإن الحرب ستطول معهم، خاصة أن ألمانيا عقدت صلحا مع فرنسا، وأصبحت آمنة من الجانب الغربي، وأن الإمبراطور "ليوبولد" اتفق مع الملك البولوني "سوبياسكي" على استعادة منطقة بادوليا، وأن البندقية لا بد أن تكون ضمن هذا الاتفاق، وبالتالي ستنضم روسيا وبقية الدول الأوروبية لهذا التحالف المسيحي إلى جانب ألمانيا، وهذا يقتضي كسره وتحطيم هذا التحالف الوليد في ذلك العام وإلا فإن الحرب ستطول إلى أجل غير معلوم.
بدأ قرة مصطفى باشا حصاره لفيينا في 14يوليو/تموز
3دون أن يعلم السلطان محمد الرابع بتوجيه حملته إلى
فيينا، وأبلغه بذلك الأمر بعد بدء الحصار بستة أيام ، ولما علم
السلطان قال : «لو كنت أعلم ذلك مقدماً لما أذنت به »، وعلى هذا
انقسم رجال الدولة العثمانية إلى قسمين : الأول وعلى رأسه
السلطان » ويرى أن تهديد فيينا هذه العاصمة الإمبراطورية
سيخيف أوروبا بأسرها ويكتلها ضد الدولة العثمانية في حرب
دينية شرسة ، ويحرضها على بناء تحالفات تصبغها الصبغة
الدينية المقدسة بعد مباركة البابا لها، وهو أمر لا تريده الدولة
العثمانية ولا ترغب فيه ، خاصة أنها هي الدولة الإسلامية
الوحيدة في العالم، أما الاتجاه الثاني ويتزعمه قرة مصطفى
باشا فيرى ضرورة فتح فيينا استفادة من هذا الجيش الكثيف
القوي قبل أن يقوم تحالف أوروبي كبير تدخل فيه روسيا
ويجعل الحرب تطول زمنياً كما ذكرت آنفاً، المهم أن العثمانيين بدأوا في فرض
حصارهم على فيينا واستطاعت وحدات الصاعقة العثمانية أن
تستولي على الكثير من الآليات النمساوية ، ونصبوا سرادقاً في
المكان الذي نصب فيه السلطان سليمان القانوني سرادقه قبل 154
سنة أثناء حصاره لفيينا، واستطاعت بعض الفرق العثمانية
الدخول إلي سويسرا، وبدأ الحصار العثماني على فيينا بحوالي
60ألف جندي ووزع قرة مصطفى باشا بقية جيثسه على ساحة
واسعة جدا بقصد قطع طريق المساعدات القادمة للمدينة
المحاصرة » غير أن هذا الأمر كان خطأ عسكريا فادحا؟ لأنه شتت
القوات العثمانية في مساحة واسعة من الأرض وهو ما أفقدها
ميزتها في الكثافة العددية . أما الإمبراطور ليوبولد الأول فترك
فيينا، فقام الشعب الغاضب بنهب قصره ، وبدأت الجيوش
النمساوية والأوروبية تتجمع للدفاع عن المدينة التي كانت تعتمد
على مدافعها التي تعد بالآلاف ، وأسوارها المتينة ، وخنادقها
العميقة والإمدادات التي تصلها. واستطاع أحد القادة العثمانيين
فتح . مدينة "براتسلافا" والاستيلاء على تاج إمبراطور ألمانيا
الموجود فيها ( و تبعد هذه المدينة 30 كم شرق فيينا.) و استطاع
العثمانيون هزيمة دوق المورين بعد ساعتين من القتال الشرس
فدخل العثمانيون مدينة "ديوبولد» وأحرقوا قصر الإمبراطور
الصيفي. وكان قرة مصطفى باشا متأكدا من سقوط فيينا ، غير أن
الأيام الأخيرة من حصارها بدأت تشهد سقوط آلاف الشهداء
العثمانيين ، حيث كان الجيش يتكون من 162 ألف جندي، منهم
0ألفأ مشتركون في الحصار، أما بقية الجيش فينتشر في ساحة
واسعة، أما المدافعون عن فيينا فكانوا في بداية الحصار أكثر من
اا ألف مقاتل ، وانخفض هذا العدد الى 5500 مقاتل, إلا أن
الإمدادات الأوروبية القادمة لنجدة فيينا كانت كبيرة فكان لدى
دوق لورين 85 ألف جندي، والملك سوبياسكي 35 ألف جندي على
وشك الانضمام إلى الجيش الألماني البالغ عدده 135 ألف مقاتل ،
منهم 40ألف خيال ، بالإضافة إلى تدفق المساعدات من جميع
أنحاء أوروبا. كانت جاذبية فيينا تسيطر على عقل قرة مصطفى
باشا، فبدلا من أن يشتت الجيش الألماني الذي لا يبعد عن فيينا
أكثر من 15كم حتى لا يكون نواة تتجمع حولها القوات
الأوروبية . انتظر أن تسقط المدينة ، حتى لا ينهبها الجيش ، حيث
كان القانون الدولي آنذاك ينص على ألا تنهب المدن التي تستلم
لحالها .
وعندما التأمت الجيوش الأوروبية ترك دوق لورين القيادة
العامة للملك سوبياسكي واكتملت استعداداتهم يوم الجمعة
الموافق 11 سبتمبر/ أيلول بعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس
أمامه إلا أيام قليلة لذلك أقدم الأوروبيون على عبور جسر
"الدونة » الذي يسيطر عليه العثمانيون بالقوة مهما كلفهم من
خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون
عبور هذا الجسر. وكان مصطفى باشا قد كلف "مراد كيراي»
حاكم القرم في الجيش بمهمة حراسة الجسر، ونسفه عند
الضرورة وعدم السماح للأوروبيين بعبوره مهما كانت الأمور،
وكان مصطفى باشا يكره "مراد كيراي»، ويعامله –معاملة سيئة ، أما
مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيسقطه من
السلطة ومن منصب الصدارة ، ولم يخطر ببال هذا القائد الخائن
أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستغير مجرى التاريخ العالمي
لذلك قرر مراد أن يظل متفرجا على عبور القوات الأوروبية جسر
"الدونه" ، ليفكوا الحصار المفروض على فيينا دون أن يحرك
ساكنا، يضاف إلى ذلك أن هناك وزراء وبكوات في الجيش
العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون قرة مصطفى باشا هو
فاتح فيينا التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني.
وفي يوم السبت الموافق 12 سبتمبر/ أيلول 1683 تقابل
الجيشان أمام أسوار فيينا وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم
جسر الدونة دون أن تسكب منهم قطرة دم واحدة ، إلا أن هذا
الأمر جعلهم على حذر شديد، أما العثمانيون فكانوا في حالة من
السأم لعدم تمكنهم من فتح فيينا , وحالة من الذهول لرؤيتهم
الأوروبيين أمامهم بعد عبور جسر الدونه، بالإضافة إلى ما
ارتكبوه من ذنوب ومعاص من شرب الخمر ومعاشرة النساء،
وانشغال بعض فرق الجيش بحماية غنائمها وليس القتال لتحقيق
النصر، وتوترت العلاقة بين الصدر الأعظم وبعض قواد جيشه
وظهرت نتائج ذلك مع بداية المعركة ! فقد سحب الوزير "قوجا
إبراهيم باشا« قائد الجناح الأيمن في الجيش قواته أثناء المعركة
وانفصل بها، في الوقت الذي لم تكن هناك أية علامات لهزيمة
العثمانيين: وهو ما تسبب في انتشار الوهن في القلوب والتولي
من ميدان الجهاد، وكانت هذه الخيانة هي السبب الرئيسي في
الهزيمة ، فهجم العدو بكامل قواته على العثمانيين ولم تمض
ساعات قليلة حتى كان الأوروبيون في سرادق الصدر الأعظم
الفخم ، فأمر مصطفى باشا بالانسحاب ورفع الحصار عن فيينا،
واستشهد من العثمانيين حوالي 10 ألاف ، وقتل من الأوروبيين
مثلهم ، ووضع مصطفى باشا خطة موفقة للانسحاب حتى لا
يضاعف خسائره ، وأخذ الجيش العثماني معه أثناء الانسحاب 81
ألف أسير. وهكذا غادر العثمانيون ارض المعركة ومعهم آلاف
الأسرى بعدما تركوا المهمات الثقيلة للعدو، ومنها السرادق الذي
يقارب حجمه حجم القصر الكبير وبه حمامات وحدائق وتحف
فنيه ، وانتهى الحصار الذي استمر 59يوما، وفقدت الدولة
العثمانية بهزيمتها أمام فيينا ديناميكية الهجوم والتوسع في
أوروبا، وكانت الهزيمة نقطة توقف في تاريخ الدولة .
سلمت الايادي على هذا المرجع التاريخي الرائع
وفقك الله لما يحب ويرضى ودمت طيبا معافا انت ومن تحب