bader99991
20-07-2022 - 03:18 am
الحلم الذي ستبقى أسير الشوق له حتى وأنت تعانق بحرها وفيروزها المتناثر في كل حدب وصوب.
"بيروت والحب والمطر" هكذا عنونها نزار قباني ومنحنا مفاتيح الدخول لملكوت قصيدة حسناء اسمها "بيروت" لنكتشف ونحن ندخلها على أجنحة الغيم أنها المدينة التي تسكنك ولا تسكنها، إنها الغابة المضاءة بقناديل النجوم والقصائد ورائحة المطر. إنها البحر الذي يعيد إليك قيافة الحلم ويزيح الصدأ العالق بروحك التي شهدت انعتاقها خيبات وخيبات. وأنها الأنثى العابقة برائحة الحب.
إنها القصيدة التي تتأبطك وتسير معك بمحاذاة عطرها الممتد من (الروشة) حتى آخر حبة رمل تغتسل برذاذ الحب.
إنها مدينة كلما أوغلت فيها تسربت روحك التي أنهكتها الحروب في ممرات خضرتها لتشعر أنك امتداد لموسيقى الضوء الناعس وهو يتسلل إلى دهاليز خوفك المعتّق وحزنك القديم فاردا أمام ارتباك الطفل فيك شراشف حنان وثير.
وحيثما حطت رحالك. تظهر لك بيروت من أعماق المكان والحبر والحرب مثل جنية تبرق وسط الحرائق، مثل قصيدة تهطل عليك من رحم الغيب لتنقاد باستسلام لذيذ نحو غوايتها التي تعيد صياغتك بما يتوافق وجمال المعنى.
وفي مجاهيلها المغسولة دوما بدموع السماء لا تنفك تبحث عن سر غوايتها لك.
عن هذه البهجة التي تطرق أبواب قلبك المؤصد على رائحة الفقد والخيبة التي يمعن الآخرون رسمها فوق جدرانه.
وفي كل عناق مع رذاذ البحر، ترتفع الأسئلة لتحلق في زرقة الأفق: لماذا هذه المدينة بالذات؟
يبزغ وجهها الناعم مغالبا الحروب والدمار، مثل وجه بغداد الممرغ برماد الحرب، ومن حفيف أشجار البلوط اسمع صوتها وهي تمنح الأرض ثمارها المتساقطة بلّوطا طريا وناعما كجلد طفل ولد للتو. وأمعن في الإيغال في البحر أكثر.
يأخذني القارب بعيدا عن الأرض ورائحة التراب التي تحمل أحبابي في مملكة الرمال.
أتلو أسماءهم وجعا تلو الآخر.
أهمس لهم: إني أعانق البحر فهلا هبطتم إلى عطشي قليلا؟
يرشقني البحر بأصابعه المالحة، وأتذوق ملوحتها فيصيح القلب: اغسلني وطهرني بملحك المقدس أكثر.
دع ملحك يتسرب إلى فوهة القلب لأنزف قروحه وأتبرأ من نبضه.
ويزداد هيجان البحر في تناغم مدهش مع رغبتي بالبلل أكثر وأكثر.
أصيح لفرط الدهشة وفرح الانعتاق: أكثر يا بحر!
احملني فوق جناحيك وبلل أوراقي التي لم تقل شيئا واغسل قتامة حبري الغارق في سواده منذ الحرف الأول وحتى النقطة الأخيرة.
يهمس أحدهم في قلب انتشائي بعناق البحر: كم هو عميق هذا البحر .. ومخيف
فيخرج صوتي ..
(كم هي مخيفة تلك الأرض .. كم من الأحباب أخذتهم إلى حضنها باكرا.
إنها صرح للعدم.
قبر كبير ربما.
أما البحر .. فهاهو يمنحنا الملح الذي نقاوم به التعفن على الأرض .. ويعيد إلينا أصواتهم الغائبة .. وجوههم التي تتشكل في قلب الأفق وهم يباركون خطواتنا التي تقود إليهم دوما ..)
ويبتسم .. أعرف إنه لن يفهم هذياني.
أعرف أن البحر الذي عانقته دوما على الورق .. يفهم ما أقول ويشد على يدي بأمواجه التي تتصاعد كلما أوغلنا في المعرفة والاكتشاف أكثر.
إنها مدينة لا تمنحك أسرارها بسهولة.
مدينة حسناء بقامة لا تطالها الحروب .. وبجذور ضاربة في عمق التاريخ والحب.
هكذا رأيتها وأنا اتجول في أحيائها الفقيرة.
صور الشهداء ترفرف في قلب الأفق .. مع الشعارات والأحلام العربية التي نلوكها منذ زمن بعيد للبطولة.
روح بيروت ووجهها الآخر الذي يزيد من بهائها وحميميتها وأنت تسمع صوتها يرحب بك حيثما حللت مثل أم رؤوم: (تكرم عينك).
وتبدأ لغتها الماطرة تتسرب إلى مساماتك لتفكر بها وتتحدث بها وتتغنى بها ..
فهي لغة البحر ... والشجر .. والثورة التي خلعت ملابس الحرب وارتدت أصوات العصافير وفيروز.
إنها بيروت الحب والمطر والجمال ودلال البلوط المترامي فوق سجادة خضراء في قلب الجبل.
إنها المدينة التي ستبقى تسكنك بإيقاع خضرتها ورائحة فجرها حيثما حللت.
إنها الحلم الذي ستبقى أسير الشوق له حتى وأنت تعانق بحرها وفيروزها المتناثر في كل حدب وصوب.
بقلم: رشا فاضل
تحياتي
بدر
بارك الله فيك