الأندلسي الصغير
22-03-2022 - 08:34 pm
أدمت غرناطة روحه و هو يودعها ... أخذت أمه تعنفه بعبارات تقطع القلب ...طافت به خيالات من طفولته وهو يمرح بين جنبات قصر الحمراء وأمه تضمه بحنو و تناديه بصوت رخيم ... حاصرته الذكريات فأعتصره الألم ... عبثا كان يتصنع الثبات و الشموخ ..انهد باكيا بحرقة وضياع كفارس فقد بصره بعد معركة مذلة ...عانق فرسه ... فضج المكان بصوت نحيبه..... لله ما أقساها من لحظات!!
هكذا تخيلت أبا عبدالله الصغير و هو يودع غرناطة ... أشلاء بملامح إنسان ... لقد كانت تلك اللحظات القاسية مصدر ألهام للعديد من الشعراء و الرسامين اللذين حاولوا تجسيدها بكل تفاصيلها بل حتى الغوص عميقا في نفسية أبي عبدالله الصغير الممزقة و استحضارها ضمن المشهد العام للوحة أو القصيدة.
ما يميز لوحة الرسام الفرنسي Alfred Dehodencq أنها استغنت عن التفاصيل الدقيقة للحظة الوداع فلا نجد أم الملك و لا حاشيته و لا خدمه و لا حتى ملامح مدينة غرناطة بقصورها و مساجدها و حدائقها و لا نشاهد أحدا من أهلها و كأن الرسام اختزل كل تلك التفاصيل في شخص أبي عبدالله الصغير دون غيره.
إن لوحة The Farewell of King Boabdil at Granada تعد بحق من أجمل اللوحات التي حاولت أن تبرز جانبا آخر من نفس أبي عبدالله الصغير. اللوحة بشكل عام تنقسم إلى ثلاثة أقسام الملك و فرسه و خادمه و قد وزع Alfred Dehodencq مشاعر الوداع الأخير بين هذه العناصر بصورة تثير الإعجاب. الملك يبدو ممزقا حائرا و قد بدت في نظراته مشاعر الرغبه الجارفه في البقاء فهو يلتفت خلفه بلهفة تثير الشفقة. بينما نجد الخادم يمثل المصير الذي آل إليه الملك ففي نظراته الخوف والهلع والحزن و الألم. بينما يمثل الفرس مشاعر الإنقياد و التسليم و الخضوع وجاءت الخلفية العامة للوحة لتشي بالمجهول الذي تمثله التلال التي تبدو على مد البصر.
إن هذه اللوحة تعد بحق من أجمل و أصدق اللوحات التي حاولت أن تترجم مشاعر أبي عبدالله الصغير لحظة وداعه أو تسليمه لغرناطة دون الخوض في التفاصيل.
ابدع الرسام في رسم ابي عبدالله
وابدعت في وصف الصوره فالوداع الاخير ليس سهلا
تحياتي لك ياديب الاندلس