الأندلسي الصغير
25-01-2022 - 02:02 am
ما الخيميادية؟ وما علاقتها بما تبقى من عرب بعد الخروج الكبير من الاندلس عام 1492 وسقوط غرناطة؟ الخيميادية هي اللغة الرومانية (نسبة الى الرومان) وبحسب المراجع هي لغة اسبانية او برتغالية او قشتالية او ارجونية او قطلونية, والتي كتبت بحروف عربية وتاريخيا هي الوعاء اللغوي الذي احتوى اخر ما ابتكر الاندلسيون من آداب وتعرف اليوم في الاسبانية Aljamiadia اي اللغة الاعجمية واطلق على الدادر من الذين يتحدثون بهذه اللغة صفة (جسيميادو).
والخيميادو هو الفرد من اجيال متقدمة من العرب المسلمين الذين تبقوا في بلاد الاندلس بعد هزيمة ابي عبدالله الصغير وسقوط غرناطة عام 1492م.. في معنى ان الخيميادو هم الموريسكسون وهو لقب اسباني ايضا اطلق في الاندلس على الذين ينحدرون من اصول عربية او مغربية وسادت بعد سقوط غرناطة. والمورسك تصغير للفظ مورو الذي كان صفة المدنيين بغير المسيحية الكاثوليكية واصل هذا اللفظ لاتيني يقصد به المؤرخون الاسبان الذين يقطنون الشمال الافريقي وبخاصة مقاطعتي طنجة واقليم موريتانيا ثم شملت التسمية كل المسلمين في تلك المنطقة. ومورو لدى العامة من الاسبان يعني: الازدراء. وفي المصادر التاريخية الاسبانية اطلق عليهم لفظ واحد: الغرباء. والخيميادية من اختراعهم بما لا يدع مجالا للشك.
ومن المعروف ان العربية تركت ثروة معرفية هائلة في المكتبات الرئيسية للمدن العربية الاندلسية, وان تعرض البعض منها الى الاحراق والاتلاف مثل مكتبة غرناطة ومكتبة جامعها الحمراء في باب الرملة ذات حادثة شهيرة في التاريخ الوسيط الاسباني, فإن مكتبات سواها قد تم نقلها الى اللاتينية لتضرب بجذورها عميقا في النهضة الاوروبية الحديثة منذ مطالعها.
ومهما يكن من امر, فإن الاضطهاد الكبير الذي تعرض له الموريسكيين افرز وضعا تاريخيا صعبا دفعهم الى خلق ممارسات دينية اسلامية سرية اصبحت تقاليد في بناء الاسرة التقليدية الموريسكية التي يتردد اعضاؤها على الكنائس والاديرة ايام الاحاد والاعياد والاحتفالات الدينية بوصفهم مسيحيين جددا.
وفضلا عما اشير اليه في الاسطر السابقة فقد ارجع كثير من الباحثين رواج الخيميادية في اوساط الموريسكيين الى عدم اجادتهم اللغة العربية, غالبا, بسبب ما تعرضت له من اجتثاث. ولهذه الاسباب ولأسباب اخرى انتشرت بين اجيالهم بعض الكتب السرية الدينية, مثل (مختصر في السنة), و(في العقيدة) وما ينبغي على المسلم ان يعرفه واشياء اخرى غربية لمؤلف مازال مجهولا ذكره المستشرق اوليفر اسين بالقول فيه (ثقافة وذوقا ادبيا واصولا اسبانية خاصة واثارا لكتابات لوبي دي بيجا).
ولعل من المفيد الاشارة ها هنا الى ان مجمع الايمان الكاثوليكي (ديوان التحقيق او محاكم التفتيش) كانت تضم في جهازها مجموعة من المختصين باللغة العربية بهدف تجريم الذين توجد بحوزتهم مخطوطات عربية من المسيحيين الجدد بحيث يتعرض اصحاب المخطوطات الخيميادية الى عنف اقل من تلك التي يتعرض لها اصحاب المخطوطات العربية الخاصة.
لقد امتلك الموريسكيون بمحافظتهم على الاسلام هيكلا ثقافيا اصيلا ومستقلا مع انهم لو يكونوا على معرفة بالمعطيات التاريخية الدقيقة نظرا لوضعهم التاريخي فامتزجت النصوص التاريخية بالصور الخيالية خاصة في المجال الديني واحتوى ادبهم الخيميادي الموريسكي تسجيلا شاملا لكل ما يتعلق بحياة الموريسكيين ماديا وروحيا وفكريا وتطرق الى كل ما انتاب المسلمين هناك من هواجس ومخاوف واحلام وامنيات, وذلك رغم ان الموضوعات الدينية قد طغت على ذلك الادب.
ولئن لم يحظ الموريسكيون وادبهم الخيميادي بعناية الدارسين العرب فإن موضوعاته قد حظيت بعناية فائقة من قبل المستشرقين الغربيين الامر الذي اوجد لديهم عددا من المختصين في دراسة تاريخ الموريسكيين وادبهم يوازي عددا مماثلا من المؤلفات الخيميادية بل ثمة ابحاث حول الموريسكيين درست ادبهم او تاريخهم في منطقة جغرافية معينة او فترة تاريخية محددة او شخصية ادبية واحدة فاكتسب الادب الخيميادي قيمة وثائقية تاريخية ودينية واجتماعية وقدم للباحثين من علماء الصوتيات الاسبان خدمات جليلة مكنت من التعرف على طرق نطق الحروف الاسبانية من حيث مخارجها وخاصة ان اللغة الاسبانية شهدت تغيرات صوتية هائلة فيما بين القرن الخامس عشر والسابع عشر, فقد نقلت المخطوطات الخيميادية طريقة نطق الكثير من الحروف الاسبانية قبل حدوث هذه الصوتية واثنائها بدقة متناهية, وهو ما لا يدرك فائدته الا المختصون.
ومن جهة اخرى, يرى باحثون عديدون ان قيمة الادب القصصي الموريسكي اعلى من الشعر. وهو ادب احكم بحكايات ذات اصل عربي ينقل مشاهد من حياة الانبياء عيسى وموسى ويعقوب وكذلك من حياة محمد عليه السلام وصحابته الاجلاء, فضلا عن الاساطير التي توحي عناوينها بمضامينها: يوسف وزليخة, حديث ذي القرنين, وحديث الملك الاسكندر, حكاية المقداد والمياسة وسواها. ويرجع كثير من الباحثين رواج الخيميادية بين الموريسكيين الى عدم اجادة اكثرهم للغة العربية بسبب ما تعرض له الناطقون بها في الاندلس من اضطهاد.
منقول مع بعض الاختصار من جريدة البيان ( ملحق البيان الثقافي )
الأحد 16 شعبان 1421ه 12 نوفمبر 2000-العدد44
طريقك إلى البيت العتيق .