- وقفات:
- الوقفة الثانية : متى يكون السفر محرماً؟
فأوصيكم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ((..اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ..))()،فاتق الله أخي الحبيب أين ما كنت في أي زمان وفي أي مكان وأعلم علم اليقين أنك لا تخرج عن قدرة الله وتدبيره وسطوته وقهره،ولا تخفى عن علمه.أيها الأحبة في الله بعد أن انتهى المجتمع من الانشغال بقضية الامتحانات،أصبح شغل المجتمع الشاغل اليوم هو السفر؛فالإعلانات في مختلف وسائل الإعلام عن برامج السياحة ، والحديث الذي يسيطر على المجالس هو أين تقضى الإجازة،والسفر أحبتي ليس محرماً في الشرع بل قد شرع الشارع الحكيم من التخفيف في الأحكام ما يعين المسافر على سفره كقصر وجمع الصلاة ونحوها، لكن هناك أنواع من السفر تكون محرمة لعدة اعتبارات سيأتي تفصيلها ، ولي مع موضوع السفر
وقفات:
الوقفة الأولى: مع ذاك الرجل الذي قل ماله وكثر عياله وهو يصر على السفر ونسمع وتسمعون عن قوم يقترون على أهليهم طوال العام من أجل أن يسافروا ومنهم من يشتري سيارات بالأقساط ويبيعها بالنقد ويتحمل فارق الخسارة من أجل أن يسافر ومنهم عياذاً بالله من يستدين من البنوك بالربا من أجل السفر،ولمثل هذا الصنف نقول له إن الإمام ابن تيمية سؤل في الفتاوى عن سفر صاحب العيال (فأجاب:أما سفر صاحب العيال إن كان يضر بعياله لم يسافر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))(2)،وسواء كان تضررهم لقلة النفقة أو لضعفهم،وسفر مثل هذا حرام.وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون وتنقص أحوالهم فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة تربوا على ثواب مقامه عندهم كعلم يخاف فوته وشيخ يتعين الاجتماع به وإلا فمقامه عندهم أفضل وهذا لعمري إن صحت نيته في السفر كان مشروعاً،وأما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر قلقاً وتزجية للوقت فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير له بكل حال..)(3)،هذا في حق صاحب السفر المباح فما بالكم بمن كان سفره محرماً ، إن في السفر مع الأصدقاء و زملاء العمل وترك الأهل والأولاد لا سيما إذا كانت المدة كبيرة خطر عظيم فالأولاد بحاجة ماسة إلى متابعة أبيهم المستمرة لهم،وكم من الأباء يشتكي من صعوبة التربية في هذا الزمان مع وجوده بجوار أولاده فكيف إذا اجتمع على الأولاد فراغ الإجازة وغيبة الرقيب،ثم إن الله قد يعاقبه على ما يرتكبه من آثام هناك فيهتك عرضه هنا بينما هو يهتك في أعراض الناس هناك.
الوقفة الثانية : متى يكون السفر محرماً؟
إن مما يحول السفر من الإباحة إلى التحريم أن ينوي العبد المسافر أن يرتكب المحرمات هناك والتي لا يستطيع ارتكابها هنا بفضل الله إلا بمشقة؛ كأن ينوي أن يرتكب في سفره الزنا،أو شرب الخمر وتعاطى المخدرات أو أن يحضر المسارح ودور السينما لمشاهدة الممثلات والراقصات أو غير ذلك مما يغضب رب الأرض والسموات، فيكون سفره هذا سفر معصية،فنقول لمثل هذا إن الوقت الذي تمضيه في هذا هو وقت أمضيته في حرام،والمال الذي أنفقته على ذلك هو مال منفق على حرام وقد أخبر الصادق المصدوق بقوله:-لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)-أخرجه الترمذي قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(4)،فبماذا تجيب في ذلك اليوم العظيم؟ نقول له أما لك عبرة في قوم خرجوا ينون مثل ما تنوي فاخترمتهم المنية وعادوا محمولين على الأكتاف في توابيت ليواجهوا ظلمة القبر وفتنته وما بعده،نقول له أما تخشى الفضيحة يوم العرض الأكبر أمام الخلق أجمعين من لدن آدم إلى آخر ما خلق الله فقد قال صلى الله عليه وسلم :-يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ-(5)،أما تخشى أن تموت وفي يدك كأس الخمر أو أنت في وفرة الزنا فتأتي على حالك ذاك اليوم. ومن السفر المحرم السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة شرعية كطلب طب لا يوجد إلا عندهم ، أو تعلم علم مباح لا يعطيه غيرهم أو نحو ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : - لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ-أخرجه الترمذي(6)،أي لا تسكنوا معهم في مساكنهم ولا تحضروا مجامعهم ، وأي وعيد أشد من ذلك ، وقال صلوات ربي وسلامه عليه:-..أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا-(7)،(قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ:قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا.وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ,فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا كَانَ مِنْهُمْ حَيْثُ يَرَاهَا.وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ.)(8)، وعند أبي داود من حديث سمرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:-مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ)-(9)،(والمراد بالمشرك في الحديث الْكُفَّار وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِك لِأَنَّهُ الْأَغْلَب حِينَئِذٍ وَالْمَعْنَى مَنْ اِجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِك وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ وَمَشَى مَعَهُ، (وَسَكَنَ مَعَهُ):أَيْ فِي دِيَار الْكُفْر،قَالَ الْإِمَام اِبْن تَيْمِيَة:الْمُشَابَهَة وَالْمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة تُوجِب مُشَابَهَة وَمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة,وَالْمُشَابَهَة فِي الْهُدْي الظَّاهِر تُوجِب مُنَاسَبَة وَائْتِلَافًا وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَان وَالْمَكَان,وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس,فَمُرَافَقَتهمْ وَمُسَاكَنَتهمْ وَلَوْ قَلِيلًا سَبَب لِنَوْعٍ مَا مِنْ اِنْتِسَاب أَخْلَاقهمْ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَة,وَمَا كَانَ مَظِنَّة لِفَسَادٍ خَفِيّ غَيْر مُنْضَبِط عُلِّقَ الْحُكْم بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيم عَلَيْهِ,فَمُسَاكَنَتهمْ فِي الظَّاهِر سَبَب وَمَظِنَّة لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاق وَالْأَفْعَال الْمَذْمُومَة بَلْ فِي نَفْس الِاعْتِقَادَات,فَيَصِير مُسَاكِن الْكَافِر مِثْله وَأَيْضًا الْمُشَارَكَة فِي الظَّاهِر تُورِث نَوْع مَوَدَّة وَمَحَبَّة وَمُوَالَاة فِي الْبَاطِن,كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّة فِي الْبَاطِن تُورِث الْمُشَابَهَة فِي الظَّاهِر,وَهَذَا مِمَّا يَشْهَد بِهِ الْحَسَن,فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَد وَاجْتَمَعَا فِي دَار غُرْبَة كَانَ بَيْنهمَا مِنْ الْمَوَدَّة وَالِائْتِلَاف أَمْر عَظِيم بِمُوجِبِ الطَّبْع.وَإِذَا كَانَتْ الْمُشَابَهَة فِي أُمُور دُنْيَوِيَّة تُورِث الْمَحَبَّة وَالْمُوَالَاة فَكَيْف بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة,فَالْمُوَالَاة لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَان{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}اِنْتَهَى كَلَامه.)(10)،والذي يسافر إلى ديار الكفر قد يأكل من لحم الخنزير أو الميتة وغالب لحومهم اليوم من الميتة أما بالصعق الكهربائي أو غيره أو قد يجلس على موائد تدار عليها الخمور،أو قد يتلوث أهله وأولاده بما في تلك البلاد من الفسق والفجور أيها الأحبة في الله وكم من قوم سافروا إلى بلاد إسلامية جاهر أهلها بمعصية الجبار فنزلت عقوبة الله بهم وهم بين أظهرهم حيث زلزت الأرض من تحتهم فتهدمت بيوتهم عليهم ومات من مات ثم يبعثوا على نياتهم فما يعرض المرء العاقل نفسه وأهله لمثل ذلك . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{..وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}(11)
ِ و الله يوفقنا لما يحبه و يرضاه ... امين