- أكادير قبل الزلزال
- الموقع:
- مدخل القصبة
- الساكنة:
- سوق تالبورجت والقصبة
- سوق تالبورجت والقصبة
- مرفولوجية المدينة:
- القصبة في الخمسينيات
- التصميم قبل الزلزال:
- ويمكن تحديد أهداف ومبادئ هذا التصميم في النقط التالية:
أكادير قبل الزلزال
الموقع:
عندما نتحدث عن الموقع، سنتحدث عن جانبين، الأول يتجسد فيما يحد مدينة أكادير جغرافيا، وقد جاء، في مذكرات الرحالة الإنجليزي ستكون أوكنور" التي وقعت سنة 1919 تعريب عبد المجيد بن جلون تحت عنوان "جولات في مغرب أمس" يقول في وصف موقع أكادير "ينحدر إليه العملاق أطلس الأكبر مادا رجليه ليغسلهما في مياه المحيط، وهي -أي أكادير- تتمتع بأحسن طقس من أية مدينة أخرى في المغرب على مدار السنة، فهي أدفأ في الشتاء، وألطف في الصيف، وعندما تصل إليها الرياح الشمالية الغربية التي تزعج الصويرة.
مدخل القصبة
وتحديدا فأكادير تقع وسط الواجهة الأطلنتية للمغرب، يحدها إقليم تزنيت جنوبا والصويرة شمالا وإقليم تارودانت شرقا والمحيط الأطلسي غربا. وفي هذه الفترة بالذات، أي قبل الكارثة كانت أكادير تقع في جنوب المغرب، قبل أن تسترجع المناطق الصحراوية سنة1975 .
أما الموقع الثاني، نعني به المكان الذي كانت تحتله، مدينة أكادير القديمة، وقد كانت تتألف في بدايتها من حيين شعبيين: حي فونتي، وحي القصبة، فالقصبة التي يطلق عليها الآن (أكادير أفلا)، بمعنى الحصن، تقع فوق تل، وهو مؤخرة الأطلس الكبير، أما "فونتي" فموقعه كان بقرب المرسى، أسفل التل.
الساكنة:
إلى عهد قريب، كان بعض المؤرخين، يزعمون أن منطقة أكادير لم تعرف تجمعا بشريا إلا بعد وصول البرتغال، إلا أن هذا الزعم فنذ بفضل رسالة وردت في المصادر الدفينة لتاريخ المغرب، موجهة إلى ملك البرتغال، "عمانويل الأول" سنة 911 هجري / 1505 م، مؤكدة وجود مركز، "أكادير الأربعاء" وهو سوق كان ينعقد كل يوم أربعاء.
لقد ارتبطت نشأة مدينة أكادير بتواجد البحر، هذا العنصر الطبيعي كان سببا في صراع الدول الاستعمارية على المنطقة، كما كانت نقطة استقطاب لاستقرار السكان الأولين بها، بعد أن وفرت لهم جميع الحاجيات، يقول الدكتور عبد الفتاح محمد وهيبة في هذا الصدد "بدأت قصة المدينة بتجمع هؤلاء الأفراد في مكان معين، يسهل وصول الغداء إليه بكميات كافية". هذه القولة تعبر عن الإستقرار الأول بالمدينة، المرتبط بالبحر بالدرجة الأولى، كمصدر أساسي يحقق الإكتفاء الذاتي للسكان.
سوق تالبورجت والقصبة
فانطلاقا من التشكيلة الديموغرافية التي أشرنا إليها سابقا والمتمثلة في النواة الأساسية للمدينة (حي فونتي) و(حي القصبة) سنجد أن معدل الكثافة السكانية لم يتجاوز 700 نسمة. وقد اتفق معظم الباحثين والدارسين على كون مدينة أكادير، في بداية القرن، لم تكن سوى تجمعات سكنية، لم ترق إلى مستوى المدينة، فحي فونتي كان يقطن به 300 ساكن، أما القصبة 400 ساكن، ورغم ذلك كان من الصعب تحديد عدد السكان الأكادريين نظرا لوجود أجناس أجنبية مندمجة بينهم. لكن في ظرف نصف قرن تقريبا 1913 إلى 1960، ازداد عدد السكان ليصل إلى 4500 نسمة، ويرجع ذلك لأسباب:
سوق تالبورجت والقصبة
داخلية : نلخصها في التحولات الاقتصادية التي عرفتها المدينة خلال هذه الفترة، ونذكر بالخصوص سهل سوس الذي أدى إلى تنشيط وظيفة الميناء ، فتوفرت بذلك مناصب شغل كثيرة.
خارجية : تتجلى في استحواذ الفرنسيين على الأراضي الزراعية مما جعل جل الفلاحين يرحلون إلى المدينة. كما أن الظروف الطبيعية من جفاف واكتساح الجراد لبعض المناطق ساهم في تفاقم الوضع وأدى إلى نزوح عدد كبير من السكان إلى المدينة.
مرفولوجية المدينة:
في كتاب معروف باسم( Chronique do Santa . Cruz du cap do Gue AGADIR ) ألفه برتغالي مجهول الاسم، كان مقيما بحصن أكادير منذ أن وصل إليه ما بين 1525 و1530 حين سقوطه في يد المغاربة. تحدث في هذا الكتاب عن الأحياء الهامة التي تضمنتها المدينة وهي كالتالي:
1 قرية فونتي: وهي توجد بمقربة من البحر، ومحاذية لمرسى أكادير، وذكر بأنها هي أصل "سنتاكروز" التي هي نفسها، "سانت كروا" التي أسماها البرتغاليون عام 1905، ومكثوا فيها قرابة 72 سنة إلى أن أخرجوا منها على يد الشيخ السعدي سنة 947 ه.
2 القصبة العليا: أو ما يطلق عليه "أكادير أفلا" وهو بناء مسور على تل فوق فونتي، بناه محمد الشيخ نفسه سنة 947 هجري ليكون مرقبا لاستكشاف البحر.
القصبة في الخمسينيات
3 قرية تلضي أو برج تلضي: تقع في موقع جبلي على بعد نصف ميل من القصة، في جوف البلاد، وأصبح مقرها الآن بمقبرة، وهي في تراب قبيلة "مسكينة"، وواضح أن تلضي هي محل تالبرجت التي كان معظم سكان أكادير يستقرون بها قبل الزلزال، وتقع في شمال التخطيط الجديد للمدينة ما بعد الزلزال.
4 قرية إحشاش: "جمع إحشوش بمعنى العريش" وقد علق عليها المؤلف بأن سكانها الأوائل هم من يتبعون جيش الاحتلال للاتجار معه، ثم سكنها العمال والضعفاء، ثم صارت حيا من أحياء المدينة" (المختار السوسي "إيليغ قديما وحديثا" ص 172.) ووصفها كذلك بقوله "إنها قرية كبرى للعملة فيها خلق كثير تجاور "تالبرجت". (المختار السوسي "خلال جزولة" الجزء الأول تطوان - المغرب بدون تاريخ ص 51.)
منظر جوي لإحشاش قبل الزلزال
التصميم قبل الزلزال:
مدينة أكادير، في هذه المرحلة وخصوصا في بداية تكونها، لم تكن تعرف تخطيطا مدروسا، أو متبنى من طرف الدولة، فالأمر الذي كان رائجا، هو تحديد موقع المدينة، ويكون هو الآخر مرتبطا بشروط أساسية، يختارها السلطان أو الملك، أو شخص معين، أما فيما يخص بناء المنازل، لم يكن يخضع لمخطط تنسيقي، فكل واحد يشيد منزله كيفما يحلو له.
لكن بعد دخول المستعمر بدأ التفكير جديا في البنايات الفخمة، واستخدام مواد وأدوات حديثة في عملية البناء. وارتبطت بذلك نشأة المدينة ونموها بمتطلبات المستعمر، واستمرت هذه الحالة حتى حدود سنة 1928، وهي السنة التي تقرر فيها إنشاء مدينة بالمنطقة.
ويمكن تحديد أهداف ومبادئ هذا التصميم في النقط التالية:
- استغلال أحسن المواقع بالمدينة مع التأهب لتطورها المتدرج، والعمل على جعل هذه المناطق تحظى بواجهة رائعة على البحر، وعلى المناظر الجبلية المجاورة.
- العمل على خلق مدينة أوروبية على رصيف طريق تارودانت، الذي سمي فيما بعد شارع الجمهورية، هذه النواة حملت فيما بعد اسم المدينة الجديدة.
- الاحتفاظ بالحي الأهلي، تالبرجت، مع العمل على توسيعه مما جعل السلطة تقدم الأراضي الواقعة، شمال الحي الأهلي للمغاربة مع إعطاء دور مهم لهذا الحي. وقد قال المختار السوسي عن (تالبرجت). "إنها مخططة تخطيطا حسنا من 1334، فيها بناء حضري بهيج على صفيحة البحر الزرقاء ، وموقعها من أجمل المواقع، صحي جميل" ("خلال جزولة" مرجع سابق ص 50 ).
- الاحتفاظ بشاطئ المدينة مع جعله شبيها بشاطئ نيس (Nice) وهذا ما جعل السلطة الاستعمارية تمنع البناء بالمناطق الواقعة بين المحيط وشارع الجمهورية. - الاحتفاظ بالمناطق العسكرية وتحويلها إلى مناطق خاصة بالمنشآت الصناعية والبنايات الإدارية.
عملت، إذن، السلطات الاستعمارية على جعل تصميم التهيئة، يوافق سياستها الاستغلالية، ويستجيب لمتطلباتها الاقتصادية والسياسية. فعرفت بذلك المدينة نواتين: نواة يمكن أن نطلق عليها نواة مغربية، تحمل عنصر الأصالة، والتقليد للمدن المغربية في جل تفاصيلها، ونواة حديثة دخلت مع المستعمر، تحمل طابعا غربيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فندق موريتانيا وغوتيي
أكادير بعد الزلزال
الموقع:
تقع مدينة أكادير في موقع زلزالي، وهذا المعطى ينبغي مراعاته في تحديد موقع المدينة الجديدة، وامتداداتها، فقد نتج عن ذلك تحويلها عن الموقع القديم في اتجاه الجنوب، فنزلت بذلك المدينة عن الجبل نحو السهل، وهذا ما منحها قدرة على التوسع نحو الجنوب، فأنشأت بذلك أحياء جديدة من مثل تالبورجت الجديدة، المدينة الجديدة...).إحشاش بعد الزلزال
الساكنة:
بعد الكارثة التي عرفتها مدينة أكادير يوم 29 فبراير 1960 انخفض عدد السكان ليصل إلى 16000 نسمة، بعد أن كان يراوح 45000 نسمة قبل الكارثة. لكنها بعد عقد من الزمن، استرجعت ساكنتها التي ارتفع عددها إلى 62000 نسمة سنة 1971، وهذا الارتفاع السريع، في الساكنة يجعلنا نطرح تساؤلا عن سببه. إن أهمية هذه المدينة ودورها الإقليمي هو الذي استلزم إعادة بناءها بالدرجة الأولى، فانتعشت المدينة صناعيا وتجاريا، فاستعادت بذلك حيويتها من جديد، وأصبحت قبلة كل مهاجر، قرويا كان أو مدنيا.مورفولوجية المدينة:
لقد سجلت إحصاءات الكارثة الطبيعية التي أصابت المدينة، أعلى رقم في الخراب، حيث أصاب الدمار جل أحيائها (تالبرجت القديمة، منطقة القصبة).هذه المناطق كان لها قاسم مشترك، وهو الشقاق الكامن في باطن الأرض، الذي تسببت في الماضي، في عدة اضطرابات للغلاف الأرضي، لكن في سنة 1960 كان له الوقع الشديد الذي أدى إلى الدمار الكاسح للمدينة.هذه المناطق كان لها قاسم مشترك، وهو الشقاق الكامن في باطن الأرض، الذي تسببت في الماضي، في عدة اضطرابات للغلاف الأرضي، لكن في سنة 1960 كان له الوقع الشديد الذي أدى إلى الدمار الكاسح للمدينة.
لكن بعد ذلك سرعان ما استعادت المدينة حيويتها، بفضل الدور الذي لعبته في السنوات الماضية جهويا واقتصاديا، على العموم. وهذا ما دفع المهندسين المعماريين إلى منع البناء مستقبلا في المنطقة غير القارة التي تمتد شمال نهر تلضي، فأحدثت أماكن لأحياء سكنية بعيدة عن هذه المنطقة، فخضعت المدينة لمخطط حديث في التصميم وتم التأكيد على السياحة كقطاع له الأسبقية في إعادة البناء. ومن بين الأحياء التي أعيد بناؤها، أو التي سلمت من الزلزال نذكر:
تالبرجت الجديدة: يشغل هذا الحي مساحة 45 هكتار، خصصت له هندسة موحدة، بحيث نجد بناياتها مكونة من طبقتين: السفلى مخصصة للمتاجر، والعليا للسكن. وقد أريد من هذا الحي أن يكون حيا شعبيا وأكثر حيوية، ونجد به أكبر كثافة من السكان تتراوح ما بين 10000 و 12000 ساكن.
الأحياء الصناعية : تتضمن على الخصوص حي أنزا وحي البطوار وكلاهما لم يتضرر من الزلزال، فحي البطوار هو حي صناعي جنوبي يشغل 256 هكتار، عرف ارتفاعا في قدرته الإيوائية.
المنطقة السياحية: يشمل هذا القطاع كل الأراضي المتصلة بالبحر داخل المحيط الحضري، وتبلغ مساحتها 190 هكتار، لبناء الفنادق، وفصل بين هذا الحي والأحياء الأخرى بمنطقة مشجرة.
التصميم:
أثناء إعادة بناء أكادير، كان المخططون والمهندسون المعماريون ينظرون لمستقبل المدينة على اعتبار أنها ستكون مدينة صغيرة لا تتعدى ساكنتها 50000 نسمة. وطبعا إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف، والوقت الضيق الذي وضعت فيه هذه التصاميم، والتقديرات لا يسعنا إلا أن نتفهم إلى حد ما موقف المعماريين والأخصائيين، في ذلك العهد، لأن الكارثة كما نعلم وقعت في بلد في أوج الهيكلة: أربع سنوات بعد الاستقلال، وسنة قبل موت الملك محمد الخامس ، مما يجعل عملية إعادة البناء، تتم في أمد قصير، بحيث لم تسمح لهؤلاء بممارسة أعمالهم في ظروف عادية، ولم يتح لهم التبصر والنظر البعيد، خصوصا أخذ الوقت الكافي للقيام بمثل هذا العمل.أعد تصميم التهيئة بشكل سريع في غشت 1960 ستة أشهر بعد الزلزال، من طرف مصلحة عمرانية، تريد قطع كل صلة مع الماضي، تحت إشراف مهندس مغربي شاب "مراد بن مبارك" الذي حصل على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة بباريس، وكان يتعاون معه العمراني السويسري "C. Beurret" والعمراني الفرنسي "P. Mas" بالإضافة إلى مهندس المشاهد الفرنسي J. CHALLET، هذا الفريق، كانت مهمته رفع التحدي، وإعداد تصاميم مدينة تؤكد قدرة المغرب المستقل حديثا على مواجهة هذه الكارثة.
منظر لأكادير من أعلى القصبة
أول خطوة اتخذت هي استخدام عدة وسائل تقنية نذكر منها:
إحداث المندوبية السامية لإعادة بناء أكادير1973 - 1960 ، للتحكم في اقتناء الأراضي وإسكانها، ومحاربة المضاربات العقارية.
اختيار موضع آخر للمدينة، في اتجاه الجنوب، لتحقيق مخططات التهيئة والتعمير الذي مر عبر مراحل:
مرحلة 1960 - 1964: كانت مرحلة الحماس والاندفاع بشتى الوسائل، لإعادة بناء المدينة المنكوبة والتعجيل بإنجاز مخططات الدولة، فكان الاهتمام بالمرافق الحيوية للمدينة، وعلى رأسها النشاط التجاري. مرحلة 1965 - 1970: اهتمت بتجهيزات البنية التحتية للمدينة، ومتابعة ملء بعض الأحياء بالمساكن والمرافق الإدارية والاقتصادية، وفي هذه الفترة كان الاهتمام بالمجال السياحي.
مرحلة السبعينات : تميزت بحل المندوبية السامية لإعادة بناء المدينة، مما فسح المجال أمام المضاربات، وعدم ضبط السوق التجاري، فتفاقم الفارق الاجتماعي للطبقات السكانية، فكان الناتج هو تفكك نسيج المدينة بظهور أحياء هامشية غير مندمجة.
خلال هذه الفترة برز تدخل الدولة لمواجهة هذه الحالة بتجهيز القطع الأرضية الجديدة ومتابعة التعمير، والتفكير جديا في تحقيق أكادير الكبرى.
مرحلة الثمانينات : لتحقيق هذا الطموح، تم إنجاز عدة دراسات، بالاعتماد على توجيهات التصميم المديري لسنة 1978، أولا محاربة دور الصفيح، ثانيا إحداث أحياء جديدة، كحي الداخلة، وحي القدس وحي المسيرة.. مثل هذه التصاميم تتطلب عادة دراسة دقيقة تبدأ بمرحلة الإحصائيات عن السكان والسكن، هذه المرحلة هي الأساس الذي يبني عليه التصميم في المرحلة العملية والهندسية، لأنه من الضروري قبل وضع الخرائط والتصاميم، أن تكون مبنية على إحصائيات موثوقة بها عمليا وميدانيا، حتى نتمكن من تقييم المشاكل وضبطها، ونضمن بذلك نجاح التصميم المديري.
سنجد إذن، أن هذا الأخير ما هو إلا استحضار لتصميم 1980 - 1979، الذي لم يطبق، ربما لحلوله الغير واقعية، التي تعمد على فكرة خلق مدن جديدة، مع العلم أن المدينة تتخبط في مشاكل عمرانية محلية، كأزمة السكن، التصميم، الهجرة، البطالة، لذلك يمكن اعتبار هذا الإقتراح القاضي بإحياء مدن جديدة، لا تتزامن مع مخطط اقتصادي واجتماعي لائق ببلادنا.
كانت هذه هي المراحل الهامة التي مر منها مسلسل التخطيط والتعمير، والذي حاول جاهدا خلق مدينة متكاملة ومنسجمة، راعى فيه التوازن والانسجام بين جل الوظائف الجديدة للمدينة، ونقصد هنا بالدرجة الأولى، الوظائف الإدارية والتجارية والسياسية، باعتبارها وظائف تشكل النواة الأساسية، التي ينبني عليها التصميم الجديد.
سنتساءل بذلك عن مدى نفعية هذا التصميم، هل فعلا كان يراعي التجديد في هذه المعطيات الثلاثة، أم انحاز لوظيفة معينة وتهميش الباقي ؟
إذا عمقنا النظر في التصميم الجديد، سنجده أعطى الأولوية للوظيفة السياحية، حيث جاء ليخدم السائح بالدرجة الأولى واتضح ذلك في الأهمية التي أعطيت للمجالات العمومية كالحدائق والساحات. فكان شعار التصميم هو "كون مدينة أكادير مدينة للراجلين" وفي هذا الإطار تم توسيع الشبكة الطرقية، وجعلها موازية مع الشاطئ، كما تم فتح الطريق الرئيسية، كنسيج يربط بين الحي الصناعي الكبير والميناء، دون المرور بالمنطقة السياحية، كل هذه التوسعات والتجديدات جاءت لتخدم الوظيفة السياحية، وسيتضح طبعا تهميش الوظيفتين السابقتين وإن كان التصميم قد أولاهما أهمية في التخطيط. هذا من جهة، من جهة أخرى نجد أن التصميم منح لكل حي مميزاته التي تخدم حاجيات السكان ونشاطاتهم، ويتضح ذلك في هذا التقسيم المورفلوجي لأنماط الأحياء حيث نجد:
1 - الحي السياحي والاستجمامي: الذي يشغل كل الأراضي المحاذية للبحر، حتى شارع محمد الخامس، وتتسع في اتجاه الجنوب، ويختص في إيواء وتنشيط السياحة الدولية.
2 - المركز الحضري: يتكون من عمارات لا يتعدى ارتفاعها ثلاث مستويات متعامدة أو موازية للخليج، يتصل هذا المركز الحضري بالحي الإداري، حيث مكونات، نواة تختص في الوظائف التجارية والإدارية والسكنية. والغرض من هذه النواة، ربط الحي السياحي مع باقي الأحياء الأخرى.
3- الأحياء السكنية: حي تالبرجت الجديد، حاول المهندسون المعماريون خلق حي يشبه في نسيجه ووظائفه ومستواه الاجتماعي حي تالبرجت القديم، الذي دمره الزلزال. وهو حي به سكن كثيف، متصل، ذو طابق سفلي ومستويين، وأزقة ضيقة.
4 - الحي السكني الراقي: خصصت له الانحدارات الشمالية لإشرافها على الخليج والأطلس الصغير جنوبا، ويضم مسكنا فرديا، عبارة عن فيلات، وبعض العمارات الصغيرة.
5 - الأحياء الشعبية: تتضمن نسيجا موروثا عن تصميم إعادة بناء المدينة، كحي ولي العهد، الشرف، حي الموظفين، وحي أمسرنات، وهي أحياء شعبية تنتظم حول مساحات، ويحتضن بعض الجزر من أحياء الصفيح.
6 - الحي الصناعي: وينقسم إلى قسمين: حي أنزا، وهو امتداد لمنطقة الميناء شمالا، تسود به المؤسسات الصناعية مع السكن والتجارة.
سنلاحظ انطلاقا من هذا التقسيم، أنه لم يخرج عن نطاق التقسيم الذي كان سائدا للمدينة قبل الزلزال، حيث كانت المدينة موزعة في ستة أحياء: المدينة الحديثة، القصبة، فونتي، تالبرجت، إحشاش، الخيام، وها هي الآن انطلاقا من هذا التصميم الجديد، الذي يعمل على إحياء المدينة من جديد، نجدها حافظت على نفس التقسيم، مع تغيير ملحوظ طبعا في التغيير المرفولوجي الذي حصل للمدينة بعد الزلزال. هذا التصميم الجديد لم يكن هدفه بالدرجة الأولى إعادة بناء ما دمره الزلزال، بقدر ما كان عبارة عن مخطط سياسي واقتصادي محض، يخدم اعتبارات مختلفة، وإيديولوجيات متنوعة، الشيء الذي سيجعل انعكاساته تكون سلبية على المدينة مستقبلا، لأنه من البداية جاء ليعطي تصميما لعملية بناء ستؤوي عددا محدودا 50000 نسمة، لكن المفاجأة التي لم يتوقعها الجميع، أن وثيرة النمو الديموغرافي، قد تضاعفت. هذا التطور السكاني، سيكون له انعكاس على المجال الحضري الذي سيفقد جماليته ورونقه، زيادة على الكم الهائل الذي ينزح إلى المدينة، طلبا للشغل. إن الأوضاع السلبية التي أصبحت تتخبط فيها المدينة، وهذا الواقع اللامرغوب فيه، الذي يعيشه السكان، يفسره سبب واحد، هو فشل مخطط التصميم، وبالتالي يجب إعادة النظر والقيام بنقد معمق لهذه التصاميم، حتى يتم الوقوف على مكامن الضعف والخلل لنتمكن من مواكبة ما فاتنا في مجال التعمير والتخطيط، ونعيد بذلك للمدينة مجدها الفكري والتاريخي.