- سيدي ومولاي.. الأسماء تحكي تاريخ المغرب
- المغربيات ينادين أولادهن بسي محمد تكريما للاسم :
- مولاي وسيدي:
- بطاقة بيضاء للأشراف:
- مكانة خاصة للأسماء الشريفة :
- الأشراف في الألفية الثالثة :
- الاهتمام بشجرة الأنساب:
- سي محمد لنداء الغرباء
سيدي ومولاي.. الأسماء تحكي تاريخ المغرب
المغربيات ينادين أولادهن بسي محمد تكريما للاسم :
أكثر الأسماء تداولا في العالم هي اسم محمد مع الاختلاف طبعا في طريقة تلفظ هذه التسمية أو المناداة بها، فهي مثلا في فرنسا: ماهومي، وفي تركيا: ماموت، وفي أفريقيا السوداء: مامادو. ولعل هذه الهيمنة المطلقة لاسم محمد في العالم الإسلامي تفسر بكون هذا الاسم هو اسم نبي العرب والمسلمين محمد عليه الصلاة والسلام.
ولكن يفسرها من جانب آخر البعد اليومي والاستعمالي لهذه التسمية، ففي شمال أفريقيا وتحديدا منطقة المغرب العربي، حينما تريد أن تخاطب شخصا لا تعرف اسمه وتريد أن تثير انتباهه، فتدعوه: يا محمد، مع اختلاف في اللهجة والتقسيم اللفظي والصوتي للكلمة بين قطر وآخر، في حين يخاطبون الشخص المجهول في العراق مثلا بصيغة أبو جاسم (أبو القاسم).
غير أن ما يثير الانتباه عند المغاربة، أنهم يضيفون صيغة (سي) للتسييد والتشريف. فحينما تخاطب شخصا مجهولا عابرا أمامك تريد أن تلفت انتباهه لأمر ما، فإنك تدعوه "آسي محمد". إنه نوع من التشريف للتسمية.
ولذلك فلا غرابة إذا سمع أحد زوار المغرب امرأة تعاتب طفلها: "آسي محمد بركة من الدصارة" (أي يا سيدي محمد كف عن المشاغبة)؛ لأن الشائع في مجتمعاتنا الشرقية أننا نوقر في الغالب من هو أكبر منا سنا فنقول له يا سي فلان أو يا عم فلان، ومن ناحية أخرى، يفاجئك هذا التوقير لطفل ثم تقول له في نفس الوقت كف عن اللعب والشغب بصيغة التهديد! لكن الزائر سرعان ما سيفهم أن التوقير هو للاسم وليس لحامله.
مولاي وسيدي:
وللمغاربة مجموعة من الأسماء تحظى بالتوقير والتبجيل لديهم: مثل: أحمد، إدريس، عبد الرحمن، فيضيفون إليها صفة التسييد والتقديس والتبجيل: مثل سي، سيدي، مولاي. فيقولون: سيدي أحمد، مولاي إدريس، سيدي عبد الرحمن، للا فاطمة الزهراء، حتى وإن كان هؤلاء مجرد أطفال صغار.
يقول علي المنتصر الكتاني في سرد معلومات تاريخية: "وتوفي بها (تونس) سنة 1258 هجرية مخلفا بها طفلين صغيرين هما: سيدي محمد ومولاي إدريس…". ومن شدة ولع المغاربة بتشريف الأسماء ذات الدلالات الدينية؛ قبلوا باستمرار وجودها الرسمي، فدخلت في الوثائق الرسمية والبطاقات الوطنية، فلا عجب أن نجد في البطاقة الوطنية لأحدهم: الاسم: سيدي عبد الرحمن أو للا فاطمة الزهراء. كما أن اسم فاطمة كثيرا ما يضاف إليه "الزهراء" تيمنا بالسيدة فاطمة ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم. أما اسم إدريس خاصة فكثيرا ما تسبقه كلمة مولاي. تشريفا لأول ملك مغربي، حيث دخل إدريس الأول إلى المغرب واحتمى بقبائله حتى استقر له الملك بينهم وزوجوه منهم. وصاروا موالي له، وصار يسمى بالمولى إدريس.
بطاقة بيضاء للأشراف:
مكانة خاصة للأسماء الشريفة :
ومن الممكن وأنت تعبر الطريق في أحد شوارع المغرب أن يخاطبك أحدهم قائلا: "آشريف"، أو "الشريفية" بالنسبة للأنثى أو "الشريفة". فما الذي تعنيه هذه الصفة؟ فمن الممكن بالنسبة لواحد أجنبي من المغرب من المواطنين العرب أن تثير في وعيه اللبس، وخاصة إذا تعلق الأمر بامرأة يخاطبها أحدهم فيقول لها يا شريفة! فربما ظن البعض أنه يعيرها بلغة معكوسة طبعا! إذ الأمر قد يحتمل ذلك. غير أن الشرف الأخلاقي، علق بالمعنى الأخلاقي، بقدر ما يتعلق بالمعنى الأدبي والاجتماعي كما يتعلق بالمعنى الديني أصلا.
والأمر له حكاية في التاريخ، فتاريخ المغرب السياسي والديني تاريخ هجرات قادمة من الحجاز، فتكون دعوة ثم دولة، حصل ذلك مع الأدارسة، ومع المرابطين والموحدين والعلويين ومع السعديين والمرينيين، فقط كان المرابطون والموحدون مغاربة درسوا في الشرق وحجوا إلى الديار المقدسة ومنها قدموا إلى المغرب بدعوتهم التصحيحية، ها هنا يتداخل السياسي مع الديني، وأول ما يدخلون المغرب ويبدءون في الدعوة يؤسسون زاوية خاصة بهم تجتمع القبائل حولها للمبايعة، ليدخل الجانب الصوفي والشعائري (سوسيولوجيا)، وبعد ذلك تنشأ دولة بعد نجاح الدعوة وترسيخ الزاوية، وهذا هو المعطى الرسمي (الدولة) فهذه الأسباب الثلاثة المتراكبة: الديني والعلمي والسياسي هي المرجعية المجتمعية والشعبية لمقولة الشريف والشرفاء. فكل من ينتسب إلى أسرة علمية عريقة فهو عند المجتمع شريف، وكل من ينتمي إلى الأسرة الملكية (العلوية) مثلا فهو شريف، وكل من ينتمي إلى زاوية صوفية عريقة فهو شريف.
وبالنسبة للدولة العلوية فقد خصت الشرفاء ببطاقة خاصة تمييزا لهم وتوقيرا، وهذه البطاقة البيضاء التي يخترقها خطان أخضر وأحمر وتحمل اسم صاحبها وصورته، كأنها شهادة اعتراف من الدولة بوجاهته الروحية، ولعلها تمثل بطاقة عبور لصاحبها.
الأشراف في الألفية الثالثة :
لكن من ناحية أخرى فإن ظاهرة الشريفية ارتبطت بظواهر الاتكال والتسول عند قطاع واسع من المنسوبين للتصوف خاصة في الأرياف، حيث يتمحور هؤلاء حول زاوية ما لشيخ صوفي في الجهة باعتبارهم خدما لتلك الزاوية، وباعتبارهم من الشرفاء وفي الغالب يوقرهم الناس لتلك الصفة الحقيقية أو المنحولة، ويساعدونهم في معاشهم ويجمعون لهم المحاصيل والأموال بقدر المستطاع.
لكن المؤكد أن للشرفاء قيمة معنوية وقدسية مهمة في مغرب القرن الحادي والعشرين، وما ذلك إلا لأنهم يرجعون بنسبهم إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد أحفاده أو بناته، ويصدق ذلك فعلا على كثير من الأسر أو الزوايا، مثل الزاوية الكتانية والعائلة الكتانية. يقول الشيخ إدريس الكتاني: "الأشراف تاريخهم مضبوط منذ تأسيس الدولة الإدريسية، بدخول إدريس الأول إلى المغرب وهو من أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي منذ 12 قرنا"، ويضيف: "وينقل الدكتور علي المنتصر الكتاني أن العائلة الكتانية من نسل الإمام أبي عبد الله محمد الملقب بالمنتصر، وهو كبير أولاد أبيه… القطب الإمام مولانا إدريس الثاني ابن القطب الأكبر الإمام مولانا إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية"*.
ونلاحظ هنا غلبة الصفة التشريفية والتزكوية التي تذكرنا بالألقاب الموجودة عند الشيعة مثلما عند الصوفية من قبيل: القطب/ الإمام، مولانا… كما نلاحظ غلبة اسم إدريس على هذه العائلة الكتانية تيمنا بجدهم الأول مؤسس الدولة المغربية الأولى.
الاهتمام بشجرة الأنساب:
سي محمد لنداء الغرباء
وعلى ذلك نفهم كيف اهتم المغاربة من ناحية علمية بتدوين الأنساب والكتابة فيها، وذلك حفظا للأسماء الشريفية من أن يسرق منها لقبها، ونفهم كذلك كيف أن الشرفاء -أو من يقال عنهم شرفاء- لا يزوجون بناتهم خارج دائرة الشرفاء أي خارج الدائرة الروحية للعائلة. وعلى الأقل هذا ما كان سائدا في السابق، غير أن التطور الذي حصل في الذهنيات بفعل صدمات الحداثة وهيمنة الثقافة الغربية بدأ يقصي مثل هذه التصورات، على الأقل فإنه يعزلها في حدود فئة عمرية تفوق الأربعين، وترتد عمريا إلى الوراء.
يروي الناصري في كتابه "الاستقصاء" طرفة تاريخية حصلت مع أحد السلاطين العلويين، حيث إن هذا السلطان خرج في تأديب بعض القبائل جنوب المملكة لأنها تمردت عليه فخرج السلطان بجيشه لمحاربتهم، لكن هذه القبائل قاتلت ببسالة حتى انتصرت على الجيش السلطاني، الذي فر جزء كبير منه، وتم أسر السلطان، هذا الذي خرج ليفرض بيعته وطاعته على هذه القبائل. والطرفة أن السلطان حينما وقع في الأسر لدى رؤساء هذه القبائل، فإنهم بسبب نسبه الشريفي قاموا بتقديم طقوس البيعة له؛ فهو صار -في أمرهم- ضيفهم، ثم رجع إلى عاصمته فاس ومعه وعود بإعلان الولاء والطاعة.
ماقصرت أخي الكريم.
تحياتي.