بسم الله الرحمن الرحيم
المسافرون الكرام
شذرات متفرقات ومواقف متبعثرات لرب أسرة رحل لجنوب شرق أسيا ، حاملا عائلته على أكفّ الطائرة ويجرّ زوّادته خلفه على عجلاتها الأربع .. وأما زاده وشرابه ؛ فكانت الفنادق تشمل قوته وقوت عياله .. وهناك وجدنا أنفسنا نبتلع العافية والجمال ونحتسي منها الهدوء والإستجمام ونرتشف صنيع ربي الحسان ونغوص في الجنان والجنان .
لا يعنيني امدادكم بخط سيري ولا يثير شهيتكم ؛ أين رحلت بتفاصيل قافلتي المملة .. الرتيبة .. والمعتادة في أغلب التقارير .. فلذا لن أتغنى ببرامج لنكاوي أو صخب بينانغ أوسحابات الكاميرون أو حجيج شارع العرب بكوالا .. فالجميع تحدّث عنها حتى وكأنك تعرفها ولو لم تكن زرت ماليزيا من قبل .!
فمقتطفاتي ستكون مجرد ثرثرة لأحداث شتى شاهدتها وعايشتها وتفاصيلها الصغيرة التي قد تسعف أخاً مسافرا وصديقا يحتاج لمعرفة شيء منها ..
فإلى هناك ..
د خيال
المشهد الأول :
حظ عاثر ..!
سعادتي لا توصف حينما درجت أقدامي بلنكاوي .. وبعد حملي للحقائب من المطاروقفت أمام كونترات الجولات السياحية لأتفق مع إحداهن برحلة المانقروف .. وب 250 رنقت تمّ الاتفاق معه على البرنامج كاملا .. فاعطيته 300 رنقت من ضمن 1000 رنقت ملفوفة جميعا .. وليُعيدَ لي ال 50 رنقت المتبقية .. فطمع وطلب 10 رنقت زيادة .. فاستغربت من دناءة نفسه واخلاله بالاتفاق الذي بيننا .. فالصينيين وإن كانوا عبدة المال ؛ إلا أنهم لا تشرأب أنفسهم للمال الذي بيديك .. وقد واجهت ماليزياً في بينانغ فعل صنيع اللنكاويّ .. فبعد الحاحه الشديد أعطيته العشرة رينقات وكان بجوارنا صينيا يضحك .. وكأنه يسخر من جاره !كنت شددت عليه وكررت قولي له بأن لا يتأخر عن الساعة الحادية والنصف صباحا من صبيحة اليوم التالي .. وبالفعل ما أن قارب الموعد .. وأزِفَ الوعد ؛ إلا وأجد رجلا في اللوبي يخبرني أن السائق على وشك الوصول .. فوجدت سعوديا وزوجته ينتظران كذلك .. وقد لفتا نظري لهما " اطّحانهما في مكانهما " وكأنهما يقفان على الجمر .. فسلّمت عليهما وابتعدت قليلا .. وما هي إلا لحظات وقد انفجر صارخا : ( أنتم كذابين ) ..!
قالها بالعربية والماليزي ظَهَرَ علي سيماه أنه لم يفهم جملته .. وهو يحملق بعينيه كأنه طفلٌ تائه .. ولمّا لم ينبس ببنت شفه .. عاد السعودي فقال : واي .. واي .. واي !
ويردّ عليه الماليزي بالانقليزية : انتظر يا صديقي .. وكن صبورا .. فقد اقترب السائق !
فاستطلعت الخبر واستوضحت سرّ حنقه وغضبه بعد محاولتي لتهدأته .. فقال : من الساعة العاشرة والنصف ونحن ننتظر !
فاخبرته بخيبات السفر ووجود النصّابين وكثرة الكذّابين ؛ وقد كان نصيبه اليوم وافرا . وذكّرته بحليلته التي معه وأنها فزعة من غضبه وأن أساس سفرته هي المتعة ؛ وبردة فعله قد اضاع هذا الهدف وانسلّ من بين يديه .. ولا زلت احدثه واطيّب خاطره حتى ابتسم .. فعاد لرفيقه ضاحكا .
وكانت الصدمة لي وله أن جاء باصاً صغيراً واخبرنا المنسّق أنه لنا جميعا .. وقد اخبرته أن اتفاقي مع " أبو عين زايغة " و " مدمن العشرة رنقات " مكتبهم بالمطار أن تأخذنا سيارة خاصة .. فبدأ يحوص .. ويحوس .. ويتعلّل ببعض الأعذار .. وقد افهمت صديقنا السعودي بالأمر .. فكاد أن ينفجر !
فقلت : لا ضير نذهب سويا ونتعرّف عليك يا رجل ! فقد خفت أن يفتعل مشّادة ومعركة فيضطّرني لمؤزارته أو أُأخذ معه في المعمعة .. فركبنا سويا وهو يتسخّط .. ويشتم .. ويستعرض جميع مفرداته الحانقة .. فآذاني الجو الذي عمله لنا .. وسحبني من هيامي بزوجتي وبناتي وبلنكاوي !
فاخرجت ماء كنت جهّزته لرحلتي ليشرب منه ويبرّد قلبه ؛ علّه أن يرتاح ويفكّنا .. فاخذ عزيمة " المراكبية " ولم يصدق خبر ! بل إني اشفقت عليهم وكأني أبيهم ومددت لهم حبوب " دوار البحر " ؛ فاخبرني أنهما أخذا .. ويبدو أنه بعد مشاورات جانبية لقمّة طارئة مصغّرة .. عاد وطلبها !
فاستولي بركاننا الهائج على مائي ودوائي .. فخجلت من طلب قارورة الماء الكبيرة التي كانت أعين أطفالي ترقبها .. ولكني عزمت على أخذ الدواء ولو كلفني دقّ كتفيه أو حتى استجداءه ب " تكفى يرحم أمك .. رجّع الدواء " .. واستجمعت رباطة جأشي واستعدتها !
فنزلنا لمكان تجمّع القوارب واعطيتهم الفاتورة .. فاخبروني بوجود قارب واحد جاهز فقط وعلى صديقنا أن ينتظر عودة إحدى القوارب .. فاخذت ماء وعصيرات من كشك قريب وصعدت وعائلتي لقاربنا .. وإني أنظر لصديقنا وقد أنهكه الغضب !