1. ميدان البيعة حديثا

ميدان البيعة.. حيث تجلس أنت والتاريخ إلى طاولة واحدة
بايع فيه الحجازيون الملك عبد العزيز
ميدان البيعة قديما

ميدان البيعة حديثا

تهبط بك الطائرة في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، تستقل سيارة أجرة إلى قلب المدينة كما هي عادة المسافرين، دائما ما يشدهم وسط المدينة للسكن والتبضع وقراءة ملامح التاريخ الذي يحكي عمر المدينة، لتجد نفسك تتساءل كيف لهذا المدخل الصغير أن يتسع لكل هذه الحضارة والتطور ؟
تأتيك الاجابة، بما أنك تزور جدة لأول مرة في حياتك يجب أن تعلم أن في هذا المدخل الصغير حكاية جدة وعلاقة فريدة من التناقض الجميل، حيث لا فرق بين مبنى تاريخي وبرج تجاري سوى شارع بطول عشرة أمتار اسمه شارع الملك عبد العزيز، نسبة لميدان البيعة الذي تمت فيه مبايعة الحجازيين للملك عبد العزيز عام 1926م
ويدفعك التساؤل أكثر لتعرف ماذا يعني ميدان البيعة ؟ ليرد عليك حارس التاريخ كما يحب السكان المحليون مناداته، وهو المهندس سامي نوار مدير إدارة حماية المنطقة التاريخية في جدة، قائلا : « ميدان البيعة في ذاكرة السكان الأصليين لجدة أحد أهم المعالم التي حرصوا أن تكون المدخل الصغير إلى حضارتهم وتجارتهم وثقافتهم الممتدة عبر السنين كبوابة للحرمين الشريفين وعاصمة إقتصادية لأحدى أهم الدول في الشرق الأوسط والعالم »، خاصة أنه شهد مبايعة الملوك عبد العزيز وفيصل وسعود رحمهم الله
ويحكي المهندس سامي نوار أن تسمية الميدان الذي تم إنشاؤه بعد حركة التوسعة للمدينة القديمة منتصف السبعينات الهجرية جاءت لكون الملك عبد العزيز دخل من باب المدينة الذي يشرف عليه الميدان حاليا بعد أن قام وفد من أعيان الحجاز بتسليم مفتاح جدة للملك عبد العزيز في « أبرق الرغامة » شرق جدة، وبعدها دخل الملك وصلى في مسجد الحنفي وزار بعضا من الأعيان في منازلهم، حيث زار بيت « باناجة »، ثم سار في سوق الندى حتى وصل إلى بيت « نصيف »، وهناك أقيمت له الاحتفالات وتم تكريمه من أهالي جدة
ويضيف المهندس نوار أن ميدان البيعة ظل لوقت طويل نقطة التقاء بين أشياء كثيرة، فهو كان مكان وصول ومغادرة الزوار الى الأماكن المقدسة، كما يعتبر الحد الفاصل بين جدة القديمة وجدة الجديدة، وهو لدى كثير من كبار السن مكان لتداعي الذكريات في ظل وجود مقاه شعبية ما زالت تحتفظ بطابعها الحجازي تطل على الميدان من جهته الجنوبية
الميدان كان الأول إنجازا في السعودية في وقت لم تكن فيه المناطق والمدن الأخرى قد تشكلت فيها ثقافة الميادين التي ظلت إحدى السمات التي تميز المدينة الساحلية، لكن أمانة المدينة أنشأت منذ ذلك الوقت عشرات الميادين التي ساعدت على ترك بصمة حضارية واحدة للمدينة التي تباعدت أطرافها بشكل كبير في العشرين عاما الماضية نتيجة الزحف العمراني الطولي باتجاه الشمال
وفيما تطل نوافذ المباني الحكومية كفرع وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، تطل من الجهة المقابلة عيون نزلاء الفنادق الفخمة على حركة ميدان البيعة طوال ال 24 ساعة، بينما يقف رجل مرور في المدخل الصغير للميدان على الوسط التجاري للمدينة لينظم دخول السيارات ويحوّل مسار سيارات الأجرة التي لا تحمل راكبا الى شارع آخر تخفيفا لزحام السير في شارع الملك عبد العزيز الذي توجد فيه أشهر بيوت التسوق والمصارف العالمية
وليس صدفة أن تختار الجهات المعنية بحفظ القانون وتطبيق الشريعة في السعودية، الموقع المجاور لميدان البيعة ساحة لتطبيق الحدود الإسلامية من منطلق أن هذه البلاد قامت على الشريعة الاسلامية كمنهج واضح في تأسيسها وتوحيدها، وهو ما يعطي للميدان ميزة أخرى في استمراريته واجهة مكانية لإرساء مفاهيم العدل والقانون والإسلام والوطنية
وكما هو ميدان البيعة مدخل الزائر إلى جدة لمصافحة التاريخ والجلوس معه إلى طاولة واحدة، يبقى هو آخر مكان تشم منه رائحة الماضي وأنت في طريقك عائدا إلى حيث وجهتك، يبدو طريق المدينة الطالع المتجه للمطار من نقطة الميدان وينتهي طريق المدينة النازل القادم من المطار في ميدان البيعة
منقول من صحيفة الشرق الأوسط - يوم الإثنين 10 رجب 1426ه