اليمن المسافرون العرب

أكتشف العالم بين يديك المسافرون العرب أكبر موقع سياحي في الخليج و الوطن العربي ، يحتوى على أكبر محتوى سياحي 350 ألف استفسار و نصائح عن السفر و السياحة, 50 ألف تقرير سياحي للمسافرون العرب حول العالم و أكثر من 50 ألف من الاماكن السياحية و انشطة وفعاليات سياحية ومراكز تسوق وفنادق، المسافرون العرب هو دليل المسافر العربي قبل السفر و اثناء الرحلة. artravelers.com ..
محبوب
08-11-2022 - 05:49 am
ثانية أعود إليها كغريب استوحش غربته وحنّت روحه لداره وأهله، ما الذي أسقطني في حبها هذه الصنعاء ؟؟ كيف ستستقبلني في المرة الثانية؟ هل ستكون عذبةً، رحبة، صافية كما رأيتها أول مرةً ورأتني؟ خشيت ألاّ تكون قد اشتاقتني. أن تكون نسيت وجهي. صوتي، رقة مشاعري، وخطوتي التي لامست ترابها وعلق بعضه في تجاويف ملابسي. كيف لصنعاء أن تنساني. أنا التي تغرغرت بغيمها. تفيأت ظل جبالها. وشممت في أزقتها عطر أجداد أقدمين حملته معي وظل ينام في صدري. لن أخفي أمري. فقد كنت قلقة أن لا أجد وسادتي الأولى بانتظار زحام رأسي الذي تبدد عليها. هناك مثل يقول: «إذا تغيرت المخدة. تغيرت المودة» وقد لا تهديني صنعاء مخدة تشبه تلك التي توسدتها في زيارتي الأولى وشحنتها بتواريخ الأيام الجميلة ووعدتها أن أعود. هذا القلق الذي أحسسته ليس غريباً. فكل الذين يعشقون مدنا يكون للنظرة الأولى وهجها وسحرها. لكنه قد يبهت في الزيارة التالية لأن المدن لا تظل على حالها. يتغير وجهها بفعل التجديد والإضافات. هناك عمليات تجميل تُجرى على المدن كما على وجوه البشر وأجسادهم. فلا تكاد تعرف الملامح. ولا تتلمس عذوبة الروح فيها. ولا تجد حتى بعض ذكرياتك التي تركتها هنا. ودسستها هناك..
مثلاً: كانت بيروت أجمل المدن بالنسبة لي. عانقت طفولتي وصباي. لكنها تشوهت بالحرب ثم بنوها من جديد. تبدو الآن عروسة من الدرجة الأولى. لكنني انفصلت عنها بالروح.وأظل أبحث عن تلك الدرجة العاشرة أو العشرين التي استنشقت طعمها. وتذوقت عبيرها. وهكذا. وأنا أعود لصنعاء كنت قلقة أن أجد صنعاء قد تغيرت رغم أنني لم أغب عنها الاّ اشهراً قليلة. خشيت لسبب ما أن تكون خلعت رداءها البني المطرز بالآجر والجص الأبيض. أن لا أجد في أزقتها الضيقة بقايا الخطوات المتعبة. وأوراق الأطفال المتناثرة.
أن لا أجد ابتسامة الوجوه رغم شح الحياة وقسوتها. لكن صنعاء من دون كل المدن. ثابتةً راسخة لا تتغيّر ولا أهلها يتغيرون حتى لتتصور كزائر أن أحدهم لم ينظر إلى المرآة وأبقى على وجهه كما رأيته في المرة الأولى. حاملاً فرحه بك. محافظاً على صورتك داخل عينيه اللتين رأيت فيهما النظرة الخجلى ذاتها.. أو الحادة. أو البارقة بألوان السماء والطبيعة..
لا تلوموني. لو كتبت عن اليمن الشقيق بهذه العاطفة الحارة الصادقة. هذا البلد الذي ندمت أنه لم يكن على خارطة أسفاري كل العمر الذي مضى. ولهذا سبب غريب. إن أغلب البلدان التي زرتها. كانت رواسب التعب والمشاكل والهموم صغيرها وكبيرها تلاحقني، أحسها مندسة في تلافيف عظامي. توجعني. وتغض عليّ نومي. لكنني في اليمن أشعر بالسكينة. بالهدوء النفسيّ. فيه أتغلب على أوجاعي الجسدية التي تغلبني. يسترخي ذهني صافياً وكأنني أفرغته من كل زحامه وثقله. أشعر أنني خفيفة. حرة من كل شيء يعكّر مزاجي. ويفسد رغبتي في التأمل. إنه أشبه بالمستشفى «النفسيّ» الذي يحقنك بترياق عجيب.


التعليقات (5)
محبوب
محبوب
  1. دخول بلا رسميات

  2. القهوة المفقودة

  3. جولة صباحية

  4. بيت رؤوفة وصرة برتقالتها

  5. دعوة النائب الكريم


دخول بلا رسميات

فجر صنعاء ذاته استقبلني في الزيارة الثانية. برتقالياً شفافاً. ندياً. لا يحدق بي ليتأكد من هويتي. لا يتفرسني ويوجس مني خيفة فقد عرفني. وأحبني. لذلك أشرق سريعاً وكأنه يرحب بقدومي. بل كأنه يعاتبني: «لماذا تأخرت؟». شعرت وكأنني صديقته التي «عجنها وخبزها وتنشق عطر خبزها الحار». لم أدخلها في المرة الثانية ضيفة تُستقبل عند باب الطائرة.. وتدخل قاعة التشريفات الرسميّة. ورغم الذي يحققه هذا الاستقبال من راحة. إلاّ أنه يحرمني الإحساس بمواطنتي كنت أرغب من كل قلبي أن أدخلها كما يدخلها الناس.
«غير المميّزين». أمشي من الباص حتى قاعة الدخول. فأجد نفسي أمام ضابط الجوازات. أريد أن أراقب وجه الضابط وهو يقلب جوازي. أسبر أغوار مشاعره! هل يمثل له الجواز الكويتي معنىً ما!! وقفت أتأمل الحاجز. هل هو «حاجز النار» كما في بعض المطارات العربيّة والأجنبية؟ هل سأجد الضابط متجهماً متغلفاً بعسكريته «وقد كرهت شكل العسكر منذ أن دخلت عساكر صدام إلى بلدي» كنت أخشى من سؤال واحد: «ما سبب زيارتك؟» هذا السؤال الذي يطرق الأذن بشراسة ويقتل فرحة الدخول؟ هل يُسأل مثلي من عشق اليمن لماذا تأتين؟ لكن توتري زال فوراً. ختم الجواز. ابتسم وقال: «أهلاً بك في بلدك». نعم. هي بلدي رغم كل ما يُحاك لأوطاننا لتتفرق. وتتنافر وتصير الأخوة الأعداء لن يقدر استعمار ولا غزو أن يشوّه علاقاتنا العربيّة بفرحي طرت. وعند الحاجز الخارجي رأيت وجوهاً تنتظرني بابتساماتها العريضة، همست لقلبي: «يا قلبي لا تحزن» أنت الآن في الأمان فتلمظ طعم سعادتك. وادخل من بابها الأوسع.

القهوة المفقودة

من قال إن لليمن بابا واحدا؟ إن له أبوابا لا عدد لها. كلما فتحت باباً وأدهشك الذي تراه. تجد باباً آخر بانتظارك يدهشك بشيء جديد لا يمحو الأثر الأول بل يضيف إليه. كل باب يعبئك بمدخر من السحر ويجعل قلبك في حالة انتشاء دائم تلك أبواب اليمن السعيد تفتح كل مزاليجها دون صرير. ولا تحتاج الى قوة دفع. إنها مثل قلب الحبيب يدعوك أن ادخل آمناً ولكن! إن عشقت فذنبك على جنبك وما أجمل الذنوب حين تحب وطناً. (بعض الماكرين) من أصدقائي يصرّون على أنني أحببت «يمنياً» وإلاّ ما سر هذا الحب لليمن؟ أقول: لم يختص القلب واحداً. لقد أحببت كل اليمنيين. كل من عرفته ولم أعرفه من الوجوه التي التقيها في الطريق أو المحافل الثقافية وحتى في الفندق الذي فرح العاملون فيه بلقائي ولم ينسوا وجهي ورائحة عطري. حتى (عَم عبده) العامل في اتحاد الكتاب الذي قدم لي أشهى قهوة كنت بحاجتها. «فقد ترصدني د. عبد العزيز المقالح في كل مرة ليحرمني من القهوة. إما لارتباطنا بموعد عند الأصدقاء. أو لأنه دائماً عجول في زياراته. وهو لا يدري غلاوة القهوة على قلبي. ولا سرها» الباتع «فلا يعدّل مزاجي لتكتمل دورة سعادته إلاّ رائحة البن. ولهذا كفّر عن «سيئاته» وشحنني قبل سفري بالبن اليمني الشهيّ» وكذلك فعل وزير الثقافة دون أن يدري بذنب المقالح .
بعد أن رتبت حقيبتي وأخذت قسطاً من النوم. نزلت إلى بهو الفندق بانتظار الأصدقاء الذين اشتقتهم وأحببتهم في المرة الأولى «الله يديم المحبة». ولم يكن لدي برنامج في هذه الزيارة سوى اللقاء الذي سيتم في اتحاد الكتاب حيث سأتحدث عن تجربتي مع الكتابة. لكنني فوجئت ببرنامج ممتلئ. تآمر عليّ الأصدقاء. ورتبوا لي لقاءات أخرى ورحلات جديدة تفتح لي أبواب أخرى من أبواب اليمن. «إبْ» و«تعز» و«عدن»!! هل يقدر الضيف أن يرفض كرم المضيف؟! كان قراري أن أقضي الوقت في الفندق لأواصل الكتابة بروايتي التي بقي جزؤها الأخير! لكن أبطالي خُذلوا وظلوا نائمين في الحقيبة. وتركوني أعيثُ سعادة في رحلات التنقل والاكتشاف الجميل.

جولة صباحية

خرجت صباحاً في رحلة تجوّل إلى حدّه و جبل عصر أخذني السائق سعد أسعد الله أوقاته إلى منتجع «فرح لاند» السياحي. كان الجو رائقاً صافياً والنسمات باردة. اليوم الخميس عطلة. والناس انتشروا تحت الأشجار وعند المطل المشرف على الجبال. كان المقهى ورائحة الأرجيلة تقتحمني. وصوت فيروز «في قهوة عالمفرق في موقد وفي نار. نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأشعار». وكم تمنيت لحظتها لو كان معي حبيب أو صديق لأستمتع بجلسة نادرة. حين أبديت اعجابي بالمنظر الجميل ورائحة التنباك قال السائق: لديك وقت تستطيعين الجلوس!! ولا يعرف هذا السعد أنني امرأة تحزن إن جلست وحيدة في مقهى لدرجة البكاء. واكتفيت بالتجوّل. واكتشاف المكان، حيث الشاليهات المترامية، التي يستأجرها السياح ويقضون أمتع الأوقات، وحيث الزهور والأشجار وصوت العصافير الكثيرة وهمس الريح الخجلى وحمامات السباحة. ويبدو أن السياح العرب لم يكتشفوا هذا المكان. إذ يكفي لأي مريض بانخفاض الضغط أن يرحل إلى صنعاء ليتعدّل ضغطه. ومزاجه. ما أضاف لسعادتي في هذا المنتجع رؤيتي لشاب جميل بلحية صغيرة وفتاة منقبّة يسيران وقد تشابكت كفاهما بسلام. وفاحت رائحة الحب التي لا تستطيع أي حواجز أن تمنع عطره. ربما هما زوجان في شهر العسل. أو خطيبان يليق جمال المكان بلحظتهما السعيدة دون أن يلاحقهما أعداء الفرح. التقطت بعض الصور. وغادرت منتعشة.

بيت رؤوفة وصرة برتقالتها

في المساء زارتني صديقتي د. وفاء الشرجبي. ثم جاءت الصديقة د.رؤوفة حسن لتصحبنا إلى بيتها بدعوة للعشاء مع د. رضية. وحين دلفنا أول الشارع استقبلتنا الأضواء الساطعة، والأهازيج والغناء والزغاريد! تصورت أن هذا حفل استقبال أعدته لنا رؤوفة فأنا لا أستبعد عنها كل شيء غريب هذه الإنسانة الضحوكة كثيراً ولكنها لا تخلو من شراسة وجنون جميل «أملك مثله». حين علقت على هذا الاستقبال المدهش. ضحكت وقالت: «هذا عرس من ألف عرس. لا أجد الراحة تامة في بيتي، فالأعراس تطلق أصواتها عبر نوافذي وتفسد لحظات العمل والكتابة». ورغم كل هذه الأضواء. إلاّ أن مدخل البيت يتشح بالظلام الشديد.. أخذنا نصعد الدرجات العالية على ضوء ولاّعتي لقد انقطعت أنفاسي أكثر من مرة في اليمن. فالبيوت عالية في الجبال و تفرض علو الدرجات لا «أسانسيرات» إلاّ بالفنادق. في بيت رؤوفة عالم آخر ساحر. بيت صغير أنيق. زاهي الألوان كعادة اليمنيين في العموم. مكتبتها عامرة منظمة. والجدران مزينة باللوحات الجميلة. كانت الكهرباء قد انقطعت قبل وصولنا مما جعل الجلي يسيح فلم نتذوقه أو ربما هي لم تحسن صنعه وتحججت بالكهرباء. امتلأنا من الأكل الذي لم تدّعِ أنها طبخته. ثم قدمت لنا الفاكهة. رأيت برتقالة صغيرة جداً حسبتها يوسف أفندي فقالت: «هذا برتقال أبو صرة » قلت: «الله يهديك هذه مجرد صرة خرجت من برتقالة!».
أحضرت رؤوفة صورة لطفلة جميلة. قالت: «هل تصدّقين كل هذه البراءة! إنها صورتي» حدقت في الصورة. قلت: «إنها براءة لا تخلو من شراسة! انظري لعينيك المتحديتين المليئتين بالشقاوة والعناد». قضينا ليلة ولا أجمل منها. حدثتنا عن مشاريعها القادمة وكل مشروع لابد من متاعب تصاحبه خاصة حين يصطدم (بالروتين)! لكنها بعنادها المعهود مصرّة على أن يتم. وللحق هو مشروع مهم لايحق أن أتحدث عنه وهو لم يكتمل بعد. بعد الوجبة اللذيذة التي أتخمت معدتي بها. عدت إلى الفندق لأنام كالقتيلة!

دعوة النائب الكريم

بعد يوم وصولي الحاشد. تشرفت يوم الجمعة بدعوة على الغداء في بيت النائب في البرلمان اليمني السيد عبده العودي . ما كنت أعرفه. لكنه صديق د. المقالح. الذي عرّفني على عدة أصدقاء رائعين غمروني بالمحبة والود. والكرم. جلسنا في حديقة المنزل تحت الأشجار الوارفة. وكان بين الحضور وزير الثقافة، وزير الصحة، وزير الزراعة، وكثير من الشخصيات التي لم تقدر ذاكرتي «المتعبة» على الاحتفاظ بأسمائها. وكالعادة. كما في الزيارة الأولى. لا أجلس في مجلس إلاّ ويقدم لي أكثر من شخص نفسه على أنه ابن الكويت «لقد درست في مدارسها. أو تخرجت في جامعتها» كان هذا يفرحني. وما يضيف لفرحي الطريقة التي يتحدثون بها عن الكويت. بكل الحب والوفاء ويحملونني ألف تحية لأصدقائهم. وللكويت مؤكدين أن لا شيء شرخ لحمة الحب. وأنهم أوفياء لبلدٍ قدّم لليمن الشيء الكثير. يعبرون عن شوقهم إلى الكويت ويذكرون أدق تفاصيل الأمكنة. وأعز الأصدقاء. فأؤكد لهم أن المشاعر متبادلة وأن الكويت ترحب بهم. وما عتبنا الذي عاتبناهم به إلاّ عتب الحبيب وما هي إلاّ جروح نزفت. والتأمت. فالعلاقة الوطيدة بيننا لا تسمح للجروح أن تظل نازفة. ولا للعتب والزعل أن يستمر. وما نلقاه من الشعب اليمني كفيل أن يضمد ويُشفى. وإن كانت أبواب اليمن تفتح أذرعها وقلبها للكويتيين. فإن أبواب الكويت وقلوب اناسها أبداً لا تغلق. دعوات الغداء اليمنيّة وإن كانت تسعد إلاّ أنها «تفسد الريجيم» في اليمن سريعاً ما يفاجئك الجوع ربما لطبيعة جو صنعاء. واليمنيون يعتمدون على وجبة الغداء. لذلك تكون غنيّة بكل أشكال الطعام اليمنيّ وهي أطباق شهية، مغذية. ودسمة، واليمنيون «لحوميون» يعشقون اللحم. فتجد المائدة مليئة بالذبائح الصغيرة. ولا يتخلى اليمنيون عن عاداتهم العربية الأصيلة.
الطعام يُصف على الأبسطة. والجلوس على الأرض، مما يتعبنا نحن المترفين كنت وبعد كل جلوس أحتاج لونش ليرفعني، واليمنيون لشدة كرمهم لا يتركونك تكتفي بحاجتك من الطعام. فهم يطاردون صحنك كلما فرغ. ولم أكن محظوظة لأكثر من مرة حين يكون د. المقالح جاري على المائدة رغم الفرح الذي يغمرني وأنا بجانبه إلاّ أن هذا يعني العذاب بعينه. فهو عدو لدود للصحن الفارغ. يكدس لي الأصناف ويهمس بطريقته «كُلي. كُلي» أقول انتهيت. لكنه يفاجئني بشيء آخر. أعترض فيضحك، أتوسل فيزيد. أسقط في صحني كتلة من العسل الأبيض. اعتذرت أنني لا آكل الحلو فأصر: «لابد أن تذوقي هذا النوع. إنه مفيد جداً رغم صلابته. أحياناً يضطرون لكسره بالفأس». كان صلباً فعلاً. قلت ذوقاً آكل قليلاً منه ليكف عني. لكني فوجئت بطعمه الشهي النادر فالتهمت الكسرة كلها وطلبت المزيد مع الخبز الذي يشبه فطير مصر المشلتت ولليمنيين عدة أصناف من الخبز لعل أشهاها ما يُعجن بالحلبة التي أحبها وتدخل ضمن العديد من أكلاتهم. ولعلهم لهذا لا يشكون من مرض العظام. وبقدر ما يأكل اليمنيون إلاّ أنك نادراً ما تجد الأبدان السمينة. فأجسادهم نحيلة مستقيمة قوية. ربما بسبب التخزين، فالقات يسد الشهية ويجعلهم يشربون كميات من الماء. وهذا يساعد على الشبع وسرعة الهضم. بعد الطعام تدور صواني الشاي. لكنني لا أرضى إلاّ بالقهوة. وما كادت تحضر وأشم عطرها. حتى كان د. المقالح يصر على أن نقوم حيث بانتظارنا دعوة أخرى واعداً أن أشربها هناك لكن هذا لم يتحقق

محبوب
محبوب
  1. قاعة الفخامة

  2. الطريق إلى «إٍبْ»

  3. يتحدى الشتاء

  4. ولا يتخلى وإن ذبحته المعاول عن بدلةٍ لا تغادر خضرتها».


قاعة الفخامة

حين قالوا سنتوجه إلى قاعة الفخامة. أصابني شيء من التوتر. فأنا أكرهُ الفخامات وقد تصورتها قاعة رسمية ستفرض عليّ التخلي عن بساطتي. لكنهم طمأنونني أنها سميت بهذا الاسم لفخامة بنائها وأثاثها. وحين دخلتها أذهلتني بمساحتها الشاسعة. وجمال أثاثها الشرقي المنظم بحيث تتقابل الأرائك الأرضية ويستطيع كل جالس أن يرى رأس القاعة الذي يكون في ليالي الأعراس مكاناً «لكوشة العروسين» وتستخدم القاعة كذلك مقيلاً حين تكون هناك دعوات كبيرة. ألوان الفرش دائماً زاهية. ورغم إعجابي بالقاعة إلاّ أنني تحسست من اسمها وتمنيت لو يتغيّر! «الفخامة» تثير لديك تصورات لا تشتهيها!!
في الطابق الثاني من المبنى كانت الدعوة من الأخ الكريم غمضان الكهالي لقضاء فترة المقيل. وقد كتبت في المرة السابقة عن أجواء المقائل وأنها ليست للتخزين فقط وإراقة الوقت. هي أشبه بالمنتديات والديوانيات. فيها تسمع الشعر والمقالة وأحاديث السياسة و الاقتصاد. والنقاش في الحياة العامة و هموم البشر. كان صاحب المقيل كريماً في ترحابه كما كان النائب العودي. هكذا أنت في اليمن يشملونك بالود والكرم لدرجة الخجل. في داخلك يوخزك السؤال: كيف سترد لهؤلاء الناس كرمهم. وودهم؟ سيظل شعورك أنك مهما فعلت فستكون مقصراً.
بعد المقيل كان لنا لقاء نحن النساء في منزل الفنانة التشكيلية آمنة النصير، وهناك استمتعت بسماع الشعر من الشاعرات هدى آبلان. ناديا العمري، ناديا الكوكباني. ونبيلة الزبير، وتفرجت على ألبومات اللوحات لآمنة النصير. عدت إلى الفندق لأنام. فغداً السبت تبدأ رحلتي إلى عدن. المسافة من صنعاء إلى عدن ثماني ساعات إن كانت متواصلة. لكن الأصدقاء رتبوها بحيث أتوقف في إب، ثم أنام ليلة في تعز. وهكذا لم أشعر بالتعب. ولا النعاس. فالمناظر الجميلة تغريك وتجعلك متيقظاً ولا شيء يدفع بالضجر إلى نفسك. بين القرى تمضي. الأسواق العاجة بخيرات الله ما أجمل الفواكه والخضار. ما يثلج القلب أنها ليست مستوردة. في اليمن اكتفاء ذاتي. يزرعون ويأكلون. اليمن رغم ما يعرف عنه أنه بلد فقير. فإنه غنيّ. ليس بالنفط. إن شعباً وهبه الله أرضاً خصبة فهو شعب لا يجوع. غنيّ بخيراته. غنيّ بمراعيه. وقد منحهم الله غير الأرض الخصبة مناخاتٍ مختلفة. فحين ينتهي الموسم في صنعاء يبدأ في عدن أو ذمار أو إب. كل منطقة تورد للأخرى. فتظل اليمن على مدار السنة تأكل الخضار والفواكه واللحوم والأسماك. في يومي الأخير في صنعاء التقيت أحد الأخوة البحرينيين ظننته سائحاً. جلسنا نتحدث، فإذا به أحد التجار. جاء إلى اليمن من أجل استيراد الفواكه والخضار. قال: «لماذا نستورد من أوروبا وأفريقيا أليست بلداننا العربية أولى من غيرها؟ إن لديكم في الكويت مثلا يقول «دهنا في مكبتنا» لهذا جئت إلى اليمن. وأدهشني تنوع الخيرات ونوعيتها وسأعمل على توريدها إلينا «كم أسعدني هذا الشعور العروبي، وكم فرحت أن هناك تجاراً يفكرون بربط الوطن العربي من خلال اقتصاده، كما أن هناك مثقفين يربطون من خلال الثقافة وآخرين من خلال السياحة وهكذا يبطل مفعول السياسة التي تفرق ولا تجمّع. ماذا لو فكر تجار الكويت باستيراد اللحوم الغنيّة، والخضار والفواكه. التي هي أرخص ثمناً. وأجود نوعاً. ماذا لو فكّر المستثمرون أن يقيموا الفنادق والأماكن السياحيّة والمقاهي والمطاعم والحدائق؟ ماذا لو أضافوا لجنات اليمن مزيداً من الجنّات؟ إن مناخ اليمن من أجمل المناخات للسياحة خاصة في شهور الصيف اللاهبة التي ترتفع الحرارة إلى خمسين في دول الخليج نجدها في اليمن شهور الربيع والشتاء. حيث تكتسي الأرض بالخضرة والزهور وتنهمر الأمطار».
والباحث عن الجمال والمتعة والمناخ الجميل ما عليه إلاّ أن يحجز تذكرته منذ الآن ليقضي شهور الصيف هناك. كثيرون سألوني عن الفنادق هل هي متوافرة؟ وهل هي درجة أولى؟ نعم.. في اليمن فنادق لا تقل عما هو في أوروبا ودول العالم. فنادق فخمة. وفيها كل ما يرغب فيه السائح من خدمات. وهناك مكاتب سياحة مستعدة لخدمة السياح. وتوفير سيارات مع سائق ودليل سياحي. فإن كنت من عشاق البحر فستجد سواحل عدن البديعة. وإن كنت مثلي من عشاق الطبيعة فستجدها مروجاً خضراء. وسهولاً. وستجد جبالها الشاهقة العجيبة التي تنام عليها الغيوم. وآهٍ من غيمها. عين حبيب مغرورقة بالدموع. دموع الفرح حين يهل الضيف. ودموع الحزن حين يغادر. أما أمطارها فهي في الشتاء سيول فائضة. لكنها لا تغرق المدينة صنعاء فهناك سدود كبيرة ساهم في بنائها الطليان. أما على مدار السنة فالمطر رذاذ خفيف يصافح الوجوه كأنه قبلات أطفال على خدود الأمهات. لاحظت أن أغلب المشاريع الكبيرة قام بها الأجانب ماعدا ما قامت به الكويت سابقاً من بناء مدارس وجامعة. ومستوصفات. وقد فرحت حين التقيت في الفندق الأخ أسامة السقاف الذي جاء مع وفد الصندوق العربي لتنفيذ مشروع شق الطرقات في القرى هدية من الكويت.

الطريق إلى «إٍبْ»

ساحرة هي هذه «الإبْ» راقدة فوق الجبال. طرقها محفوفة بأشجار الصبار وكأنها أذرع تريد أن تحميها فلا يخطفها أحد. وتكثر فيها أشجار الطلح الشهيرة بها. خصّها الشاعر د. المقالح في ديوانه كتاب القرية بقصيدة حميمة فهو ابن من أبناء إحدى قُراها:
«يتثاءب طلح القرى
ويمد أغصانه لأشعة شمس الخريف
لماذا هو الطلح لا تتساقط أوراقه؟

يتحدى الشتاء

ولا يتخلى وإن ذبحته المعاول عن بدلةٍ لا تغادر خضرتها».

ترتدي إب في الشتاء كساءها الأخضر. تبدو في المساء كجوهرة نقشها الله في قلب الجبل. تمر فيها على قرى عديدة وفيها عشرة آلاف قرية تاريخية تحتاج إلى ترميم. ولأنني مع الأسف ممّن لا يهتمون بتواريخ المدن فإن أي معلومة عنها لا تثبت كما يثبت جمال الطبيعة التي هي عشقي وهواي. لقد مررنا بقرى وبقاع تخالطت أسماؤها في ذاكرتي. هنا قاع جهران وقرية النجيل التي تشبه الحصن. وقرية رعيان وهي بيوت متفرقة تنبت بينها أشجار القات ويقول أهل اليمن أن القات نبات حميم لا ينبت وحيداً في البراري البعيدة فهو أليف يبحث عن الألفة ويلاصق البيوت حيث الحياة والحركة. مررنا بقرية معبر ثم مدينة ذمار الكبيرة وفيها جامعة طب مشهورة. مررنا بجبل سومارة وقلعته الكبيرة. ومن البعيد لاح جبل «ربيّ» الممتد. اسم جميل استغربت أن لا يطاله غضب المتزمتين فيخلعونه عنه. في كل قرية أو جبل يذكرون لي أسماء القبائل والعائلات التي تمتلك هذه المنطقة أو تلك. إنني ربما أكتب بفوضى يرد فيها الخطأ. ذلك كما قلت لأنني أركز على جمال الطبيعة ووجوه البشر التي تحمل سماتها ما يثير فضولي. إن كل ما يهمني هو أن أكتب عن بلدٍ عربي جميل يستحق أن أكتب عنه وأعرّف به وأفتح نوافذ وأبواب لمن يعشق الطبيعة والبحر والحمامات المعدنية الشافية التي يمتلئ بها اليمن.
ليلى العثمان
نقلاً عن صحيفة القبس الكويتية

محبوب
محبوب
أرجو أيها الإخوة ان تكونوا قد استمتعتم بهذا الوصف الأدبي الرائع لرحلة الكاتبة لليمن
وأدعوكم جميعاً لزيارة أرض السعيدة..وأي استفسار أنا حاضر
محبوب اليمن

بن بطوطة2
بن بطوطة2
أخ محبوب شكرا جزيلا وهل ببعض الاءستفسارات:
1-الامن؟
2-هل يوجد كتب سياحية عن اليمن؟
3-ما سر عدم تقدم اليمن كبقية الدول الخليجية؟
4-في أي الشهور تنصح بزيارتها؟
وشكرا

Broncos
Broncos
مشكور وما قصرت اخ محبوب وتسلمي هالانامل الي كتبت هذا الموضوع المميز.


خصم يصل إلى 25%